على مدى السنوات السبعين الماضية، كانت اليابان بوتقة التجريب في السياسة الاقتصادية. خلال سنوات الرواج فيها، أصبحت الممارسات غير العادية في طوكيو لتحفيز النمو السريع نموذجا لكثير من بقية دول آسيا، في حين أن محاولاتها غير التقليدية لإنعاش اقتصاد ما بعد الفقاعة ساعدت الاقتصاديين على فهم ما ينبغي عمله وما يمكن عمله للتعافي من الأزمات المالية.
ربما تقدم اليابان للعالم الآن درسا آخر في الاقتصاد حول الحدود الخارجية والفعالية النهائية للسياسة النقدية نفسها.
خيّب محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا أمل المستثمرين يوم الجمعة عندما عرض تعزيزا طفيفا فقط في برنامجه لشراء الأصول في الوقت، الذي تنصب فيه أحدث جهوده على التغلب على الانكماش وزيادة النمو. مع الحديث عن «أموال المروحيات» والاستراتيجيات الغريبة الأخرى، اقتنع كثير من الناس أن بنك اليابان سوف يحاول أن يفاجئ الأسواق من خلال قرار أكثر إثارة من ذلك بكثير. ودعت الأصوات على الفور للعمل أكثر. وكتب الخبير الاقتصادي مارسيل ثيليانت من كابيتال إيكونوميكس «إننا لا نزال نتوقع من البنك بذل المزيد من الجهد».
في مؤتمره الصحفي، أصر كورودا على أنه لم ينته من جهوده حتى الآن - كان هناك المزيد من السندات لشرائها، ومحاولة للمزيد من خفض أسعار الفائدة. ولكن الحقيقة هي أنه، في هذه المرحلة، وبعد ثلاث سنوات في برنامجه الجذري لإعادة تشغيل اليابان، قد يكون البنك المركزي الياباني مجرد قوة مستهلَكة. وكما أشار الاقتصادي فريدريك نُويمان من HSBC في تقرير الجمعة: «يشير قرار اليوم إلى أن البنك المركزي الياباني وصل إلى حدود إطار سياسته الحالية».
قام كورودا بالفعل باستخدام كل ما لديه من أسلحة في معركته لإنقاذ اليابان. من خلال برنامجه الواسع للتيسير الكمي، يمتلك مصرفه الآن ثلث السندات الحكومية واجبة السداد، ويعتقد بعض الخبراء أن هناك حدودا لقدرته على شراء المزيد والمزيد منها. العائد على العديد من هذه السندات هو منذ الآن عائد سلبي، ما يعني أن المستثمرين الذين يقرضون أموالهم للحكومة هم الذين يدفعون ثمن هذا الامتياز. إجمالي أصول بنك اليابان ارتفع بأكثر من الضعف خلال السنوات الثلاث الماضية فقط.
حتى لو كان بإمكان كورودا توسيع برنامج التيسير لديه، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن ذلك لن يحقق أثرا كبيرا. عند هذه المرحلة، فإن المزيد من تخفيض أسعار الفائدة أو المزيد من عملية شراء السندات سوف يكون فقط على هامش إجراءاته حتى الآن. وهذه لم تجعل في البنك المركزي الياباني يقطع مسافة كبيرة في جهوده لحل أزمة الانكماش. باستخدام أحد المقاييس الأساسية، غرق الاقتصاد الياباني مسافة أعمق في الانكماش في يونيو. في وقت سابق من هذا الشهر، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو لعام 2016 إلى نسبة ضعيفة بلغت 0.3 في المائة.
الحقيقة هي أن البنك المركزي الياباني يستطيع أن يضخ ما يشاء من النقد في الاقتصاد، ولكن ما لم تقم الشركات والمستهلكون باستخدام هذه النقدية للاستثمار والإنفاق، لا يمكن لإجراءات كورودا، التي أُطلِق عليها تعبير «إجراءات البازوكا»، سوى إطلاق خراطيش فارغة. الحكومة ببساطة لم تقدم أية إصلاحات حاسمة -ابتداء من تحرير الأنظمة إلى إصلاح سوق العمل- التي من شأنها أن تطلق العنان لفرص جديدة وإقناع المستثمرين بالاقتراض، والبناء والاستحداث.
من الممكن أن نجادل بأن اليابان ستكون في وضع أسوأ بكثير بدون تجارب كورودا. لكن حيث هذا القدر الضخم من المبالغ السخية لم يحقق نتائج إيجابية تذكر، فنحن على الأقل بحاجة إلى أن نتساءل إن كان المزيد من التسهيل النقدي يستطيع أن يحقق نتائج أكبر بكثير. في الواقع، اتخاذ المزيد من الإجراءات من هذا الباب يمكن أن تكون له نتائج مدمرة، من خلال فرض المزيد من الإجهاد على البنوك ومعاقبة المدخرين، الذين بدلا من الحصول على فائدة على ودائعهم، أصبحوا يدفعون هم المال للحكومة من أجل الحفاظ على أموالهم. وهذه المخاوف لا مجال أمامها سوى الازدياد مع مرور الزمن. ربما يحتاج كورودا إلى التظاهر بأن المجال أمامه غير محدود من أجل المناورة، وذلك لكي لا يخيف الأسواق. لكنه يتخذ مخاطرة عالية الآن، على اعتبار أنه يمكن أن يخيب أمل الأسواق مرة أخرى، بالنظر إلى القيود الحقيقية القاسية على الإجراءات المتاحة أمامه.
أمل كورودا الوحيد ربما يكون في العبث أكثر من قبل في سياساته غير التقليدية، وأن يتخذ حتى المزيد من الإجراءات المتطرفة، مثل إقراض المال إلى البنوك بأسعار فائدة سلبية. ربما ستستمر اليابان في أن تكون مختبرا لأسعار الفائدة السلبية. لكن النتائج يرجح لها أن تكون قوية وتدفع المسؤولين إلى تدبر الأمر بدون أوهام.