مثلت قبائل محافظة مأرب حاجز الصد الأول للتوغل الايراني في المنطقة بعد سقوط العاصمة صنعاء وإذعان بعض مناطق الشمال القبلي لتوجهات الميليشيات الانقلابية وقوات المخلوع صالح التي تحولت الى آلة للقتل والتدمير، رفضت قبائل المحافظة طلب المخلوع والميليشيات السماح لقواتهم الانقلابية بالتوجه شرقا نحو حضرموت والسيطرة على مثلث الثروة النفطية في مأرب، وشبوة حضرموت، معتبرة أن هذه الثروة ملكا للشعب والدفاع عنها واجب وطني. وحين كان الانقلابيون يحشدون للتوجة الى محافظة مأرب والسيطرة عليها بالقوة واخضاع قبائلها لسلطة الانقلاب كانت قبائل مأرب تحشد رجالها الى مطارح العزة والكرامة التي اتخذتها مواقعا عسكرية لمواجهة الانقلابيين على مشارف مأرب.
مطارح القبائل هي اماكن التجمع للمقاتلين القبليين اطلق عليها مطارح ومنها توسعت قاعدة المقاومة للانقلابيين لتشمل ابناء مأرب في الجيش ومؤسسات الأمن الذين انفصلوا بوحداتهم عن القيادة المركزية للجيش الموالي للمخلوع والميليشيات، بل أضحوا أول نواة للجيش الوطني الذي يتخذ حاليا من محافظة مأرب مكانا لقيادته المركزية ومركزا للتدريب والتأهيل لوحداته الجديدة. مع انطلاق عمليات التحالف برزت القبائل اليمنية كقوة مؤثرة في الميدان لا تقل اهمية عن فصائل المقاومة او الجيش الوطني، وبعد نحو عام فقط من بداية عاصفة الحزم استطاع التحالف العربي بقيادة المملكة اعادة تشكيل خارطة القوى القبلية في اليمن وانهاء حالة التفرد بالقوة والحضور الذي احتكرته قبائل المنطقة الشمالية من مدخل صنعاء الجنوبي في ذمار حتى صعدة بدعم ممنهج من المخلوع صالح.
وبعد ان كانت القبيلة في صنعاء وضواحيها الشمالية هي القوة النافذة واليد الطولى داخل المؤسستين العسكرية والامنية طيلة عقود بل قرون من الزمن اصبح اليوم للقبيلة في المنطقة الشرقية بداية من مأرب والجوف وشبوة وصولا الى حضرموت حضورا وقوة وتحولت الى الذراع الوطنية الابرز المساندة للمشروع الوطني والشرعية والمقاومة الشعبية لمشروع الدولة الفارسية في اليمن.
المخلوع صالح ونظامه عملا طيلة ثلث قرن على تشويه صورة القبيلة في مأرب والمنطقة الشرقية بل في كل مناطق اليمن، ليصور المخلوع وإعلامه واجهزة أمنه قبائل مأرب كجهة رافضة لمشروع الدولة ولسلطة القانون، وعمل على اشعال الصراعات بين القبائل ورموزها المؤثرة.
ومعلوم ان الثروات النفطية التي كانت تأتي لنظام المخلوع من مناطق قبائل مأرب وشبوه وحضرموت، الا ان من يجني تلك الثروة هي سنحان؛ بلاد المخلوع والمنطقة الشمالية، بحكم وجودها في قيادة الجيش ومراكز النفوذ داخل النظام ولم تكن قبائل مأرب وشبوة وحضرموت تحصل على شيء، في حين تذهب عائدات النفط الى ارصدة اركان نظام المخلوع القبلية والعسكرية والعائلية المنتمية غالبيتها لمناطق الشمال القبلية. وأثبتت الازمة الحالية؛ ان تحيز نظام المخلوع لصالح اطراف قبلية بذاتها، كان من اجل بناء شبكة مبنية على روابط سلالية، واجتماعية وقبلية وجغرافية، تتحد ضد اي عملية لانتقال الحكم من الشمال والدفاع عن التفرد بالسلطة كحق مقدس لا يقبل التنازل عنه.
المحلل السياسي عبد الملك شمسان قال لـ»اليوم» معلقا إن اليمنيين والتحالف بقيادة المملكة العربية السعودية متفقون على إنهاء انقلاب صالح والحوثيين واستعادة الدولة، ومن ثم حصر النفوذ عليها ممثلة بالنظام والقانون وفق نظام الحكم الفدرالي، مضيفا ان الدور الذي لعبته مأرب وتلعبه دور تاريخي يليق بها وبقبائلها الذين كانوا بالقرن الماضي في طليعة المناهضين لحكم الأئمة أصحاب فكرة الحق الإلهي بالحكم، واليوم يجددون موقفهم إزاء هذا التوجه الذي أضاف إلى فكره المريض تحالفا مع المشروع الإيراني المستهدف لليمن ودول الخليج والعالم الإسلامي كله.
وأشار شمسان الى ان هذا التلاحم في مأرب ليس وليد اليوم، فقد سبق أن عبرت عنه قبائل مأرب في أكثر من مناسبة، وهو ما أهلها لتكون موضع تمركز أساسي للجيش الوطني والمقاومة وفي حال استمرار تعنت الانقلابيين فإنها ستكون المنطلق الأهم لتحرير المحافظات الشمالية، وفي الحالتين: مأرب تكتب عنوان الحدث الأهم لليمن في هذا القرن.
من جهته قال فهد سلطان عضو المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية لـ»اليوم» إن الانحياز من قبل مشايخ ورجال القبيلة وخاصة في المناطق ذات البعد القبلي كمثال يعود الى أن الجميع بات مؤمن بأهمية الدولة، إضافة الى أن الجميع أكتشف حجم التغيب المتعمد الذي مورس على مأرب والجوف وشبوة والبيضاء، في فترة حكم النظام السابق؛وهو أظهر عكس ما كان يروج له المخلوع بأنها مناطق ليست مستعدة ولا جاهزة لمشروع الدولة.
وقال فهد سلطان انه خلال عام واحد فقط من تماسك القبيلة مع السلطة المحلية في مأرب، تحولت المحافظة الى منطقة جذب للسكان وللتجارة من كل أنحاء اليمن، ليتضح أن الامن والاستقرار يعود نفعه مباشرة على الجميع بصورة طبيعية.
وأشار سلطان الى أن سحب قوة المركز «المقدس» وتوزيعه الى باقي الاقاليم هي الخطوة الأهم التي ستعيد تشكيل اليمن وفق مخرجات الحوار الوطني بما يضمن توزيع عادل للثورة والسلطة،وهي الخطوة التي باتت كل الدلائل تؤكد أنها الحل الانسب لإسقاط مفهوم المركز الذي فشل وأبقى اليمن في وضع مأساوي لقود طويلة.