أعلنت الهيئة العامة للإحصاء نشرة مسح القوى العاملة للربع الثاني من عام 2016م، ما يساعد الباحثين ومتخذي القرار في رسم السياسات الخاصة بالقوى العاملة في المملكة، وأثارت تلك النشرة جدلا كبيرا بين اقتصاديين ورجال أعمال وأعضاء مجلس شورى حول نوعية الوظائف التي من الممكن أن يشغلها المواطن السعودي، فمنهم من ينظر للوظائف كما، والآخر ينظر لها نوعا، ومنهم من يتهم الشباب السعودي بأنه لا يُعتمد عليه وغير منجز وكثير التنقلات، والآخر ينظر لهم بأنهم ثروة لم تتم إتاحة الفرصة لهم، ومازال الطريق حتى الآن في مسار غامض لا أحد يعرف نهايته.
سباك وكهربائي وبائع ونجار وصباغ وعامل وغيرها من الوظائف التي للأسف نتباهى ونتفنن في دفع النسبة الكبرى من الباحثين عن العمل للعمل فيها في توجه غريب جدا، وبنفس الوقت من الغريب جدا أن نتجاهل باقي الوظائف التي من الأجدر أن يشغلها الشاب السعودي، مع العلم بأن كل ما نحتاجه لتطوير الشاب السعودي لإحلاله بديلا عن الوافد في تلك الوظائف هو «نص الوقت الذي يتفنن فيه من يتهم الشاب السعودي بالكسل ولا يُعتمد عليه».
العمل الشريف ليس عيبا، ولكِن المعيب جدا أن تكون ذا مسؤولية وطنية ولا تتيح المجال للشاب السعودي في العمل الشريف وتُفضل الوافد عليه، والكل يدرك أن البطالة موجودة في كل دول العالم، ولكن هذا لا يعني ألا نعمل على محاربتها والتكاتف جميعا للحد منها.
آخر الاحصائيات كانت متوقعة، وكلنا نعلم بأن هناك سببين رئيسين لتفاقم البطالة في المملكة «التوسع الجغرافي الكبير للمملكة، عدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات السوق»، لذلك من الأولى العمل على مسارات للحد من البطالة وعدم الاعتماد فقط على مسار واحد فقط كما اعتدنا طول السنوات الماضية، فهناك مسار يشمل العاطلين في الوقت الحالي، ومسار للخارجين والداخلين خلال فترة معينة، ومسار لتوسيع القاعدة الوظيفية، وفي كل مسار هناك عناصر مهمة وحلول عديدة.
أهم عامل مؤثر على تلك المسارات هو عدم مواءمة مخرجات التعليم مع إحتياجات سوق العمل، ومن هنا نجد أن العمل على تحويل مسار وتخصصات الباحثين عن العمل أصبح أمرا مهما وليس بالصعب أبدا كما يتخيله البعض، لذلك من المهم جدا تطوير الباحثين عن العمل خصوصا من لا يحتاج سوق العمل لتخصصاتهم أو لا يملكون المؤهلات اللازمة التي يحتاجها سوق العمل. في كل جنسية بأي سوق عمل تنقلات للعاملين «فلا عذر لهم»، عدد كبير من حاملي شهادات الدبلوم والبكالوريوس والماجستير في قائمة البطالة وهم أحق من غيرهم بالوظائف ذات الأجور المناسبة التي يشغلها الأجانب «فلا عذر لهم»، لدينا إمكانات لتغيير مسار تخصصات الباحثين عن العمل في الوقت الحالي «فلا عذر لهم»، وكثير من أصحاب الأعمال حريصين على تطوير بيئة العمل في منشآتهم «فلا عذر لهم».
فرحنا بخبر إقرار هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة ولم نفرح حتى الآن بقراراتها، ونفرح كثيرا بفتح مجالات القبول في المعاهد والجامعات وباستثمارات مليارية ولا نفكر في استرداد هذا الاستثمار بإتاحة المجال للشاب السعودي بالعمل في الوظائف التي يحصل الوافد عليها على آلاف الريالات كمردود مالي، ومن «لا عذر لهم» يشتكون من تفاقم البطالة بأقلامهم ويتفنون في التوصيات بدفع شبابنا في المهن ضعيفة المردود التي يشغلها الوافدين ولا يفكرون في أنهم يقتلون طموح الشاب السعودي.
ختاما: الشاب السعودي أثبت نفسه في العديد من الوظائف المتوسطة والعليا، والسبب هو الاهتمام فيه ودعمه وتحفيزه وتطويره فقط لا غير، فهل من الأولى الوقوف معهم بالحلول المنطقية أم تحطيمهم؟ نريد إحصائية عن جميع المهن التي يحصل فيها الوافدون في سوق العمل على أجور تتجاوز «٨٩٢٦ ريالا شهريا» الذي تم اعتباره كخط الكفاية «الفقر» للأسر السعودية حسب دراسة مؤسسة الملك خالد الخيرية، ووقتها ستكون الصورة واضحة لمن «لا عذر لهم» والذين يتفننون في مقالاتهم وتوصياتهم بدفع الشاب السعودي إلى مهن تكميلية وليس تطويرية.