دائما ما نسمع في مجال العمل الصحفي «الصحافة ما تؤكل عيشا» وهو منظور ضيق لمن يبحثون عن الفرص المالية أكثر مما يبحثون عن فرص التطوير؛ كون منظور الممارسة الإعلامية يشير إلى قدرة ومهارة الفرد ومحاولته ومدى تحمله وفهمه للظروف والصعوبات التي قد تواجهه في المجال الإعلامي، بالإضافة إلى تسلحه بالصبر والإرادة والعزيمة. ولعلي انتهز الفرصة بذكر النصيحة التي وجهتها لي دكتورة جامعية كان لها دور في تعليمي عندما أوشكت على التخرج، حيث قالت: «إن كنت ستزاولين مهنة الإعلام بقصد المال فتوقفي، وإن كنت ستزاولين مهنة الإعلام لذاتك فواصلي مهما كانت ظروفك». قرأت الكثير من المقالات والتعليقات حول مستقبل خريجي الإعلام الغائب، ودعوني أسلط الضوء على مخرجات جامعة جازان تحديدا؛ كونها لم تفشل في استحداث قسم الإعلام، بقدر ما تعثرت في تنظيم استراتيجيتها التي يمكن أن تنتج عنها مخرجات حقيقية ذات مردود فعلي يخدم المجتمع. فقد اعتمدت على التلقين أكثر مما اعتمدت على الممارسة، ظنا منها أن ذلك قد يساعد في تغذية الطلاب دون أن تعترف بعدم مقدرتها على وضع استراتيجية تنفذ وتشغل ما يطمح إليه الخريج بعد انقضاء فترة الدراسة،
لذلك يا ترى ما الذي يحتاج إليه طالب وخريج الإعلام (في ومن) جامعة جازان؟ التصور العام «المفترض» لما يحتاج إليه الطالب في الجامعة يتمثل في: «النوع والكيفية»، لأن نوع المواد المطروحة وكيفية عرضها يسهم في زيادة وعي الطالب أو الخريج، مما يساعد في توظيف مواهبه وقدراته الخاصة، لما يتلقاه من مواد دراسية ويتعلمه من برامج تدريبية، أما التصور الخاص «الواقعي» وهو ما تنتهجه الجامعة لــ «قسم الصحافة والإعلام»، فيتمثل في التأطير النظري للمواد الدراسية، تبذل من خلالها هيئة التدريس المجهود لإيصال المعلومة، بدون استراتيجية واضحة تساند عملية التدريس للمواد الإعلامية، وهو ما أعاق عددا كبيرا من الخريجين لأكثر من دفعة وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات. حتى أن عملية التدريب ضعيفة وتكاد معدومة كونها تعتمد فقط على اجتهادات تحت مسمى دورات وبرامج دون ممارسة لطريقة التحرير وفهم لقواعد الكتابة الصحيحة وكيفية اختيار نوعية المواد الإعلامية القابلة للنشر.
أما ما يحتاج إليه الخريج من الجامعة فأعتقد أن الخريج يجب أن يركز هنا على تطوير مهاراته وصقلها، إذا كان خريجا يحب فعلا مجال العمل الإعلامي، وأن ينتهز ويبحث عن الفرص دون أن يتحجج بعائق، لأن مرحلة التلقين هي مرحلة سابقة تستوجب التعديل، وهو ما يجب أن يلتفت إليه الخريج بعد تخرجه، وليتذكر دائما أن مهنة الإعلام لا تتطلب شهادة جامعية تحمل مسمى التخصص، بل تستلزم المهارة والقدرة من أجل العمل بها.