ـ كل من شاهد وسمع الأستاذ عبدالعزيز العيد المشرف العام على القناة الثقافية السعودية وهو يرفع بيده (ريالا واحدا) مُلوِّحا ومتحدثا بحسرة وحزن وألم وحرقة وإحباط عن عدم قدرته على صرف هذا الريال لشراء قارورة ماء يقدمها لضيوفه من أدباء وكـُـتـّـاب وفنانين ومخرجين وغيرهم في مكتبه بالقناة دون موافقة (الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السعودية).
أقول كل من شاهده وهو يحكي شيئا من تجربته ومعاناته المالية والإدارية في محاضرته بـ (أسبوعية الدكتور عبدالمحسن القحطاني الثقافية) بجدة شَعـَر معه بالمرارة والحرقة والحسرة نفسها، وذلك من الواقع الأليم الذي تعيشه قناتنا الثقافية السعودية.
وقبل أن أبحر في هذا الموضوع الرمادي أشير إلى أن الأستاذ عبدالعزيز العيد سبق أن بَث ذات الحزن والأسى في شهر رمضان المبارك الماضي وهو يتحدث على مسرح نادي الأحساء الأدبي ضمن المشاركين في ندوة جمعية المنتجين السعوديين.
وقد أدهش ـ حينها ـ الحضور عندما قال: إنني مقيد اليد في التصرف المالي في قناة أنا أديرها، فلا يطالبني أحد ببرامج ولا بتطوير ولا إنتاج ما دمت لا أقدر أن أتحرك بحرية في هذه القناة لا ماديا ولا إداريا.
لكنه في ندوة الدكتور عبدالمحسن القحطاني كان أكثر صراحة ووضوحا وتفصيلا وشرحا لهذا الهم الثقيل الذي يلازمه بصفته مسؤولا ومثقفا وقلقا على عمله ووطنه.
فهو يقول بلهجة الواثق والزعلان والمتحدي والشعور بالمسؤولية الوطنية أنه إذا لم تتم تلبية مطالبه فإنه يتعين عليه أن يترك هذا الكرسي لغيره.
ويقول: إن هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية لا هي أعطته الميزانية المطلوبة، ثم قامت بمحاسبته على كل مصروفاته، ولا هي تلبي طلباته الضرورية واللازمة عندما يرفع إليها ما يريده، وبالتالي فهو لا يستطيع أن يصرف ريالا واحدا! وهو حين يقوم بذلك فإنه لا يبالغ، بل يقدم الواقع كما هو، وليس له مصلحة شخصية في ذلك.
وحديث الأستاذ العيد بهذه الصراحة يجعل الباب مفتوحا للعديد من التساؤلات للهيئة المذكورة.
وفي الحقيقة أيضا أنه من النادر أن تجد مسؤولا بارزا في موقع إعلامي هام كالقناة الثقافية يدلي بهذا التصريح.. لولا علو الحس الوطني لديه، وإحساسه بأهمية الجهاز الذي يشرف عليه ودوره في التثقيف وإبراز المنجز الوطني، وإلا كان بإمكانه أن يأتي إلى مكتبه كغيره من الموظفين ـ بدوامه الرسمي الروتيني ـ ويؤدي عمله اليومي المعتاد، ثم يستلم راتبه الشهري ويعود لبيته وينام / بلا وجع راس / بلا قناة / بلا ثقافة.
ـ ثم من سيشاهد القناة الثقافية ـ بكل صراحة ـ وهي بهذا الوضع ماليا، والبرامج المهترئة والمواد المكرورة والقديمة، وهي القناة التي استبشر بها كل المثقفين والأدباء والفنانين حين تم إطلاقها قبل بضع سنوات؟
ـ إن الكثير من منسوبي هذا القطاع، كانوا قد استبشروا خيرا عندما تم تخصيص قطاعهم وتحويله إلى هيئة، وظنوا أن هناك الكثير من الإمكانات والتسهيلات والحوافز، وزيادة المكافآت وصرف بدلات العمل الداخلية والميدانية واستحداث البرامج والدورات التلفزيونية والإذاعية الجديدة وغيرها ستتوافر لكن كل هذا وغيره لم يحصل أبدا، بل حصل ما هو عكسه تماما من تقليص في كل شيء إلى آخر درجة.
ففي أول اسبوع ـ كما علمناـ طلبت الهيئة المذكورة من مسؤولي الإدارات جردا كاملا للموظفين والمتعاونين وحراس المباني، والأجهزة والسيارات وغيرها وإعادة النظر في البرامج والتغطيات الإعلامية والمكافآت.
وقد تم الاستغناء بعد هذا عن عدد كبير منهم والغاء الكثير من البرامج المتنوعة التي لاقت استحسانا ملحوظا من المشاهدين داخل وخارج المملكة، كما تم إلغاء البدلات الفنية، وتقليص المكافآت إلى أقل من النص.
ومن بين البرامج التي وقعت ضحية الاستغناء عنها برنامج (نخلة وزورق) كان الذي يعده ويقدمه كاتب هذا السطور رغم المتاعب العديدة التي تصاحب تسجيل كل حلقة ومن بينها السفر من الأحساء إلى الدمام وفي ظروف مختلفة وطقس متقلب إلى جانب المكافأة القليلة جدا مقابل ذلك وبواقع شهري وليس عن كل حلقة، وغير هذا البرنامج كثير آخر.
ـ صحيح أن الضبط المالي مطلوب والحد من الانفلات في الصرف واجب، لكن ليس إلى هذا الحد،وليس إلى درجة التقتير والشح.
ـ ثم ألاَ يكون ذلك إلاّ على الجانبين الثقافي والإعلامي وبالأخص القناة الثقافية، وهي التي من المفترض أن تحظى برعاية مميزة وبخاصة حينما يتهيأ لها رجل واع يقدر أهميتها،كالأستاذ عبدالعزيز العيد.
فتحية له، ولمَن كان مِن قبله الأستاذ محمد الماضي المشرف العام السابق على القناة الثقافية.
وبكلمة: إلى متى يبقى (ريال) قناتنا الثقافية السعودية محجورا عليه دون إذن بصرفه عليها؟
* شاعر وكاتب سعودي من الأحساء ـ القـارَة، عضو مجلس إدارة نادي الأحساء الأدبي، والمدير الإداري