لا يخلو أي مجتمع من وجود قضايا مختلفة، وأطروحات متنوعة. ولا شك أن أهمية طرح أي مشكلة، أو قضية للنقاش عبر وسائل الإعلام على كافة مستوياتها وأساليبها وأدواتها أمر مهم جدا كما أن كل مجتمع كفيل بطرح ما لديه على موائد الحوار الاعلامي وكفيل بإيجاد ووضع الحلول للمشكلات وكفيل بإجراء الدراسات والبحوث وما تتطلبه أي قضية للحوار. ومن الغرابة أن تطرح قضايا اجتماعية متعلقة بخصوصية مجتمع معين من قبل قنوات لا تمت بصلة لذلك المجتمع، ولا تدرك سماته، أو صفاته، أو خصائصه الاجتماعية الصحيحة وتطرح في مضامينها تلك القضايا لحاجات الاستثارة والتسويق اللاأخلاقي. لقد أصبحت قضايا ومشكلات المجتمع السعودي سلعا للبيع والشراء والتعاطي من قبل قنوات تنسب إلينا اسما وملكية بينما هي في مضمونها ومحتواها وإدارتها ومنتجاتها لا تمت لهوية مجتمعنا بصلة أبدا لا ثقافة، ولا تراث ولا طبيعة ولا تقاليد. من السوء أن تظهر علينا البرامج من كل حدب وصوب وتقاتل القنوات لتجذب اهتمامات ومشاركات أفراد المجتمع السعودي الذي يرونه مكتنزا بالمادة وسمينا بالمال وخفيفا في العقل - كما يظن هؤلاء - فمن برامج التصويت والسحر والشعوذة والمسابقات المهلكة للأموال إلى برامج أسوأ بدأت تنهش في مجتمعنا متلبسة ثوب مناقشة وطرح قضايا المجتمع السعودي الجدلية تقدم بكل تردٍ، وميل، فلا حيادية، أو موضوعية، أو مهنية، أو رأي ورأي آخر تاركين مساحة للقيل والقال الذي لا يجرؤون على قوله بشرف وعقلانية في قنواتنا.
جاعلين من تلك البرامج مساحة للتعبير وتعزيز وتكريس بعض معتقداتهم، وما يخدم تياراتهم، وآرائهم المخالفة لقيّم الدين وآداب مجتمعنا الفاضلة. وقاصدين تمرير بعض القضايا المرفوضة جدلا، وشكلا، ومضمونا، وان تثار عبرها الأغبرة، ويذر الرماد في أعين الناس في مجتمعنا لتنقل صورا مشوهة عن مجتمعنا مسببين بذلك بعض الاختلالات، وتوجيه التأثيرات.
والمؤلم أن تلك البرامج تستغل أسماء تناسبهم منتقاة، ومحددة، ومائلة، ومكررة، ودائمة قد يحسبون علينا بالهوية الوطنية فقط.. ولا ادري لماذا لا يميلون، ويحرصون، ويتخصصون في مناقشة مشكلات مجتمعات عربية أخرى.. ولماذا يستعملون الأغراب عنّا للحديث عن قضايانا عبر برامجهم؟ حتى التوقيت المحدد لبرامجهم يجعلونه على توقيت السعودية لماذا؟ تصوروا كيف ينظر مشاهد من أي دولة عربية لمجتمعنا إذا كان يتابع مثل تلك القناة، التي لا تنقل الصور ولا الأفكار المتزنة، بل تنقل صورا موجهة لخدمة فكر، أو توجه وطيف معين. كيف يستطيع الغير التعرف علينا حقا وقضايانا تناقش من الخارج؟ كيف يفهمنا الغير ونحن لا نصل إليه مباشرة من قنواتنا الحقيقية التي تعرف ما لدينا وتستطيع بناسها وأدواتها وبرامجها وأساليبها وفقراتها أن تغنينا عن أي برامج تقوم بدور الوصاية على مجتمعنا؟. لا نفهم إلا أنه انتكاسة عقل، وتدني ذوق، وقلة أدب حين تناقش بعض قضايا مجتمعنا من خلال قنوات ماجنة.. فماذا نتأمل، ونرجو، ونتوقع منهم إلا دعما للإفساد كما أن الخط يمتد، فهناك دوما لوبي إعلامي فارغ وفاسد «قنوات، كتّاب، صحف، مغردون» يعزز ويدعم كل قضية تشاكس وتعاكس الدين أو تعبث بالمقدس، أو تخالف المعقول والمنتظم طمعا في تمزيقنا. ويبقى القول: لابد لأفراد مجتمعنا خصوصا أن يتيقظوا ويفهموا أن مثل تلك القنوات وضعت بعض برامجها من أجل تمييع القيّم، وتهوين الفضائل، وتقزيم الخير، ثم تحييد وتغيير كثير من ثوابتنا الإيمانية، وتذويب هويتنا الأخلاقية الوطنية. أما مَنْ تستخدمه تلك القنوات فهم معروفون بالاسم، والهيئة، والسيرة سينكرهم مجتمعهم العاقل الرصين، وسيُنبذون من انتمائهم الصحيح إلى غياهب الخزي والعار. فيجب على الكل الانتباه إلى وضع موائد الحوار العادل والمتزن حول قضايانا في مكانها الحقيقي. ولنتابع همومنا من خلال قنواتنا، وأهلنا فنحن أجدر وأدرى.