تعد المملكة من أعلى دول العالم استهلاكا للنفط ومشتقاته وقد يكون نمو الطلب على النفط مرتبطا بعدد السكان الاعلى في العالم. ويصل الاستهلاك اليومي للنفط في المملكة 3 ملايين برميل باليوم وهذه الكميات الكبيرة تستهلك كوقود لوسائل النقل.. ديزل وبنزين وكيروسين حوالي 1.5 مليون برميل وحوالي 1.2 مليون برميل زيت وقود ونفط خام تحرق لتوليد الطاقة والباقي يستهلك في الصناعات المختلفة.
حاليا تعتبر المملكة سادس أكبر دولة بالعالم من حيث استهلاك النفط بعد امريكا والصين والهند واليابان وروسيا مع العلم ان عدد سكان هذه الدول اعلى من سكان المملكة بأضعاف كثيرة بعد ان كانت 13 مليونا قبل عشرة اعوام حيث كان استهلاكها 1.5 مليون برميل باليوم. حاليا تعدى استهلاك المملكة كل الدول الاوروبية التي خفضت استهلاكها بشكل يثير الاعجاب. واذا استمر نمو الطلب المحلي على النفط بنفس الوتيرة فإن استهلاك المملكة قد يتخطى روسيا واليابان بعد عدة اعوام لان فارق استهلاكهما للنفط عن المملكة غير كبير (حوالي نصف مليون برميل فقط). لقد تضاعف استهلاك المملكة للنفط في عشر سنوات واذا ما تضاعف الاستهلاك الحالي في عام 2025م فهذا يعني ان استهلاكنا سيصل الى حدود 6 ملايين برميل في اليوم وهذا ما سيضر بالطاقة التصديرية. وفي خطوة تهدف الى المحافظة على ثروات المملكة الناضبة والى ترشيد استهلاك الثروات الاحفورية والتي يضر استهلاكها الزائد البيئة. تم تعديل اسعار الطاقة بالمملكة في نهاية عام 2015م.
يعتبر الديزل احد اهم المشتقات البترولية التي تسعى شركات تكرير النفط لانتاجها والربح من بيعها. ولقد وصل سعر البرميل في الاسواق العالمية هذا الشهر الى حوالي 60 دولارا مقابل 45 دولارا للبرميل الخام وبذلك يعتبر الديزل والجازولين الممتاز احد اهم اسباب ربحية صناعة التكرير في العالم. ولو اخذنا شركة اكسون موبيل كمثال على اهمية صناعة التكرير في هذه الاوقات لوجدنا ان ربح قطاع التكرير في شركة اكسون موبيل في النصف الاول من هذا العام (معدل اسعار النفط 35 دولارا) 1.73 مليار دولار وربح قطاع انتاج النفط والغاز في نفس الشركة 200 مليون دولار فقط. وفي النصف الاول من عام 2014م عندما كانت اسعار النفط 110 دولارات ربح قطاع انتاج النفط والغاز بالشركة 15.7 مليار دولار مقابل 3.4 مليار دولار لقطاع التكرير والبتروكيماويات وهذا يدل وبصورة قوية على اهمية صناعة التكرير لشركات النفط لانها هي من يدعم الشركة في الاوقات العصيبة عندما تنزل اسعار النفط والغاز الى القاع.
ولكن صناعة التكرير بالمملكة تواجه تحديات بارتفاع الاستهلاك الداخلي متوازيا مع انخفاض اسعار هذه المشتقات خاصة اذا علمنا ان صناعة التكرير من الصناعات الباهظة التكاليف وقد تكلف اقامة مصفاة واحدة حديثة حوالي 15-20 مليار دولار ولذلك تقوم هذه الصناعة على المشاركات التجارية بين عدة شركات مثل المصافي التي تملكها ارامكو بالشراكة مع اكسون وتوتال وشل وسينوبك. ولا شك ان معظم هذه الشركات ترغب في تصدير حصتها من هذه الشراكات الى خارج المملكة وبيعها بالاسعار العالمية لكي ترجع استثماراتها وتربح.
تختلف اسعار الديزل والبنزين اهم مشتقات النفط بحسب الدول فعلى سبيل المثال تدعم بعض الدول اسعار هذه المشتقات للتخفيف على شعوبها. واما الدول الاوروبية ودول شرق آسيا فتفرض ضرائب اضافية على هذه المشتقات لمنع نمو الاستهلاك. فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة انتاج الديزل حاليا مع انخفاض اسعار النفط ريالين للتر. وهو يباع في امريكا بحوالى 2.4 ريال وفي الصين 3 ريالات واما في فرنسا وبريطانيا حوالي 5 ريالات. وبهذا كل هذه الدول تفرض ضرائب على سكانها كيلا تشجعهم على استهلاك مشتقات النفط.
وتعتبر الاسعار في امريكا وسطا بين الاسعار في اوروبا وآسيا والاسعار المدعومة في منطقة الشرق الاوسط. فعلى سبيل المثال في عام 2014م بلغ سعر لتر الديزل في امريكا حوالى 3.6 ريال وهى حصيلة حوالي 3 ريالات تكاليف التكرير والتسويق والنفط الخام والباقي ضرائب. وهذا يعني ان على سعر اللتر ان يصل الى حوالي 3 ريالات حتى ترجع شركات التكرير مصاريفها. في وقتها كان يباع لتر الديزل بالمملكة بربع ريال مقابل التكلفة التي تقارب 3 ريالات وهذا ادى الى ارتفاع الاستهلاك ومواجهة صناعة التكرير بالمملكة لصعوبات. وحتى بعد التعديل لا تزال أسعار الديزل في السعودية أقل بكثير من نظيرتها في الدول المجاورة، دول مجلس التعاون الخليجي. ولقد تم رفع سعر لتر الديزل بالمملكة بنسبة 81% من 25 هللة للتر إلى 45 هللة وارتفعت اسعار البنزين ايضا. لكن وبحسب الشكل وعلى الرغم من ان اسعار البنزين اعلى من الديزل الا ان استهلاك الديزل قد انخفض في شهر مايو الماضي بحوالى 100 الف برميل وبالمقابل فإن استهلاك البنزين ارتفع بحوالي 10 آلاف برميل. الاكيد ان هناك طلبا حقيقيا للبنزين بسبب النمو في عدد السكان وعدد السيارات واما الطلب على الديزل فيظهر الهبوط الكبير باستهلاكه ان الارقام الكبيرة التي كانت في عام 2015م لم تكن واقعية.
ولو تتبعنا مسار الاستهلاك المحلي للديزل نرى ان معدل الاستهلاك في شهر مايو من عام 2002م وصل الى حوالي 400 الف برميل في اليوم وفي شهر مايو من العام الماضي وكما يعرض الشكل فقد وصل استهلاك المملكة الى رقم تاريخى وهو 881 الف برميل في اليوم. اى ان الاستهلاك تضاعف في 13 سنة. وبذلك اقترب استهلاك المملكة من الدول الكبيرة واصبح سادس اكبر استهلاك في العالم بعد امريكا والصين والهند والمانيا والبرازيل. ولو استمر استهلاك الديزل بالمملكة بنفس النمو فسيتعدى البرازيل والمانيا (استهلاكهما حوالي 900 الف برميل في اليوم). وبذلك تصبح المملكة وبسكانها 30 مليون نسمة ضمن اكبر خمس دول بالعالم في استهلاك الديزل وهذه حقيقة مؤلمة تتطلب تضافر الجهود لايجاد الحلول.
وفي سبتمبر 2015م وصل الاستهلاك المحلي للديزل الى حوالي مليون برميل في اليوم. وللمقارنة التاريخية فلقد كان استهلاك اليابان في سبتمبر 2002م للديزل حوالي 1،2 مليون برميل في اليوم واستهلاك المملكة آنذاك حوالي 400 الف برميل في اليوم. وتغير استهلاك الدولتين في سبتمبر 2015م الى التالي انخفض استهلاك اليابان الى 770 الف برميل وارتفع استهلاك المملكة الى 950 الف برميل. استطاعت اليابان ان تخفض استهلاكها باعتماد مصادر متنوعة للطاقة فهي تستخدم القطارات لنقل البضائع ورغم كارثة فوكوشيما النووية الا انها سترجع الى استخدام مفاعلاتها النووية لتوليد الكهرباء واما الطاقة الشمسية فتعد اليابان وعلى الرغم من انها جزيرة صغيرة وجبلية ثالث اكبر دولة بانتاج الطاقة الكهربائية من الخلايا الكهروضوئية وتصل قدرتها الى حوالي 36 جيجاوات.
وفي الختام من الضرورى دعم مصادر الطاقة البديلة كالشمسية والرياح وغيرها ورفع الدعم قليلا عن النفط في توليد الطاقة. واما اسعار الوقود فتوحيد الاسعار مع دول الخليج مع وجود آليات لتعويض المواطنين خطوة اساسية لترشيد الاستهلاك. وعلى الرغم من ان النرويج بلد تصدر النفط والسويد لا تصدر النفط الا ان اسعار المحروقات في البلدين متساوية فلم يوجد سبب للتهريب.