مضى أكثر من شهرين على تصويت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومنذ ذلك الحين كان من الواضح أن هناك صمتا يخيّم على الكيفية التي يجب أن تتم فيها إجراءات الطلاق. ويعتبر هذا مأزقا لا يفيد أيا من الطرفين (بريطانيا والاتحاد الأوروبي)، وحالما ينتهي موسم العطل في أغسطس بأوروبا ويعود سياسيو المنطقة إلى أعمالهم ثانية، فهناك خطر في أن تتحول الأشياء إلى وضع مثير للاستياء إلى حد كبير.
يوجد قدر كبير من الحقيقة في الاتهامات القائلة إن الوزراء البريطانيين الذي شنوا حملة لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنهم وزير الخارجية الجديد بوريس جونسون، عندما تم تشبيههم بالكلاب التي تطارد السيارات ولا تلحق بها، فهم ليس فقط لا يتوقعون النجاح في عملية الخروج، ولكنهم أيضاً لا يعرفون بالفعل ما يتوجب عليهم فعله بعد ذلك.
ربما كان أفضل مكان تجد بريطانيا نفسها فيه هو حالة ترقب وانتظار ما سيحدث. فهي من ناحية تجد نفسها لا تزال تتمتع بحقوق الأخوة من دون أن تدفع ما يستحق عليها من واجبات. ولكن الدلائل على القدرات المالية المحدودة، المتوافرة منذ استفتاء 23 يونيو، كلها تشير إلى اتجاه واحد: وهو أن حالة عدم اليقين الطويلة ستحمل في طياتها إمكانية حدوث أضرار للاقتصاد أكثر من مسألة خروج بريطانيا نفسها.
ومحليا، هناك أيضا خطر حقيقي ناشىء عن القضية التي أقامها مدعون على الحكومة، منهم مصفف الشعر دير دوس سانتوس وسيدة الأعمال جينا ميلر. أقيمت هذه الدعاوى عن طريق مكتب قانوني حقيقي هو ميشون دي ريا، وفيه يُزعم أن إعلان تخلي المملكة المتحدة عن عضوية الاتحاد الأوروبي غير قانوني، لأنه مخالف للمادة 50 التي تتطلب موافقة البرلمان البريطاني على ذلك أولا عن طريق التصويت.
قال القاضي بريان ليفينسون في الشهر الماضي، إن القضية تحمل في طياتها «أهمية دستورية، لدرجة تجعل المحكمة تأخذ هذه القضية بجدية تامة.» وسيتم النظر بهذه القضية في المحكمة العليا البريطانية في أواخر هذه السنة، وافتقار بريطانيا لدستور مكتوب سيخلق من ذلك وضعا متفجرا. يمكن أن تتطور هذه القضية في حال نجاحها، وتؤدي إلى نتائج عديدة، مع إمكانية التسبب في أزمة دستورية. ومع ذلك، تستطيع الحكومة تجاهل المحكمة العليا وتستمر في كل الأحوال في عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وإذا حدث تصويت في البرلمان، فقد لا يلقي السياسيون بالا لنتائج الاستفتاء ويعلنون رفضهم خروج بريطانيا من الاتحاد، مخالفين بذلك إرادة الناس التي أظهرها الاستفتاء. وحتى لو فشلت القضية، فإن بإمكان المدعين (وهو الأمر المثير للمفارقة) تقديم استئناف لمحكمة العدل الأوروبية.
لكن إذا استثنينا وضع الممارسات القانونية الملتوية، لا تزال بريطانيا بحاجة لوقت كاف لتحديد ماهية العلاقة التي تريدها من المتاجرة مع أقرب جيرانها. وكانت رئيسة الوزراء تيريزا ماي اقترحت أن تكون بداية السنة القادمة هي تاريخ البدء في المفاوضات الرسمية، على أن تكون البداية تفعيل المادة 50، ولكن صحيفة الصنداي تايمز ذكرت في أوائل هذا الشهر، أن إجراءات عملية الخروج قد تستمر حتى أواخر عام 2019 إذا قررت الوزارات المسؤولة عن الموافقة على شروط الخروج أنها غير جاهزة حتى نهاية السنة القادمة.
تستطيع رئيسة الوزراء، إذا أرادت المراوغة، أن تشير إلى الانتخابات التي ستجري في العام القادم في فرنسا والمانيا. ولكن بريطانيا تستطيع أن تدعي أنه حتى يحين وقت انتهاء تلك الانتخابات، فهي لن تعرف من سيكون جالسًا على الجانب المقابل من طاولة المفاوضات وممثلا لأقوى عضوين في الاتحاد الأوروبي، وذلك فيما يخص جزءًا مهمًّا من الحوار.
ولكن من المرجّح أن يؤدي التأخير الطويل إلى تعريض صبر شركاء بريطانيا إلى امتحان مؤلم. ففي أوائل هذا الأسبوع قال رئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين إن مغادرة المملكة المتحدة للكتلة الأوروبية «يجب ألا تأخذ وقتاً أطول مما ينبغي». وإضافة لذلك، حذر من أنه إذا لجأت المملكة المتحدة إلى الدفاع عن اقتصادها بتخفيض الضرائب على الشركات، «فإن ذلك سيجعل بالطبع من المناقشات أكثر صعوبة. والتشدد من جانب بريطانيا بخصوص مثل هذا النوع من القضايا، هو الذي سيتسبب في عدم تحسين هذه العلاقات معها». لا يوجد شيء في القانون يعطي الاتحاد الأوروبي الصلاحية، في حال البدء بتفعيل المادة 50 من معاهدة الاتحاد الأوروبي. وفي الوضع الحالي، تستطيع رئيسة الوزراء البريطانية أن تأخذ ما يحلو لها من الوقت، وتتصرف على مهلها. لكن إذا كانت ماي جادة في تعهدها بأن الخروج يعني الخروج، فإنها بحاجة إلى أن تكون مدركة للمخاطر المترتبة على إطالة أمد البدء بالعملية الرسمية، والتي ستؤدي إلى إثارة غضب البلدان الـ 27، ونحن نعلم أنه لا يوجد من هو أكثر استياء من الشريك الغاضب.