قبل أن تتعلم كيف تعبر عن نفسك بالكلام، هناك علامات تكشف عن سمات شخصيتك التي ستظهر لديك عند الكِبر، شبكة «بي بي سي» عربية تشرح كيف تتكشف سمات المرء الشخصية منذ الصغر.
ساهمت عوامل كثيرة في تشكيل شخصيتك، إذ لعبت العوامل الوراثية، والأصدقاء، والمدارس التي التحقت بها، بالإضافة إلى الكثير من العوامل الأخرى، دورا في تكوين الشخصية التي أنت عليها اليوم.
لكن متى تحديدا بدأت تتبلور شخصيتك المميزة لك؟ فإذا كنت خجولا الآن، على سبيل المثال، هل هذا يعني أنك كنت طفلا خجولا؟
على الأرجح نعم، وفي الواقع، تشير الأبحاث إلى وجود روابط بين نزعاتنا السلوكية عندما كنا أطفالا، لم نتعد من العمر بضعة شهور، وشخصياتنا في المراحل العمرية اللاحقة، لكن هذا لا يعني أن شخصياتنا تترسخ منذ الصغر، ولا يمكن أن تتغير، بل هذا يعني أن الشخصية يمكن أن تعود جذورها إلى الشهور الأولى من العمر.
يشير علماء النفس - الذين يدرسون سلوك الرُضع عادة - إلى «الطبع المزاجي» للطفل، وليس سماته الشخصية، ومن بين الاستقصاءات الأولى التي أجريت في هذا المجال: الدراسة التي أُطلق عليها اسم «البحث الطولي في نيويورك» الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي، وراقب من خلاله الفريق المكون من ستيلا تشيس وزوجها أليكسندر توماس 133 طفلا منذ الولادة حتى بلوغهم 30 سنة، كما حاورا والديهم.
واستنادا إلى نتائج تلك الأبحاث، اقترح هؤلاء الباحثون وجود تسع سمات مزاجية للأطفال، بما فيها مستوى النشاط والمزاج العام والقابلية لتشتيت الانتباه.
كما لاحظوا أن الدرجات التي أحرزها الأطفال الذين خضعوا للدراسة لكل سمة مزاجية على حدة يمكن تجميعها معا لتصنيف الأطفال في ثلاث مجموعات: إما أن يكون الطفل «سهل المراس»، أو «صعب المراس» أو «بطيء التكيف مع التجارب الجديدة»، وإن كان هذا يدل على قلة اللباقة السياسية في هذا الوقت بتصنيف البعض على نحو ينطوي على إساءة،
فهل هذه المجموعات الثلاث تنبئ بملامح الشخصية في مراحل لاحقة من العمر؟
توصلت دراسة نيويورك إلى بعض الأدلة التي تشير إلى أن الأطفال الذين صنفوا في سن ثلاث سنوات كأطفال ذوي مراس سهل، أو ذوي مراس صعب، صنفوا أيضا بالطريقة نفسها في بداية سن البلوغ، إلا أن البحث لم يتطرق إلى الروابط بين مزاج الطفل وشخصية البالغ.
وفي الواقع، لم يعمل علماء النفس - الذين يدرسون مزاج الطفل - جنبا إلى جنب مع أولئك الذين يدرسون شخصية البالغين لفترة طويلة، إلا أن الأمر قد تغير على مدار العقد الماضي، أو نحو ذلك.
ومع أن مزاج الطفل لا ينبئ كليا بما ستكون عليه ملامح الشخصية عند الكبر، هناك بالتأكيد علاقة وثيقة بين الاثنين.
تجدر الإشارة إلى أن أنظمة تقييم الطفل - حسب الدرجات التي يحرزها في كل سمة من السمات المزاجية التسع - قد تغيرت مع مرور الوقت.
واليوم أُدمجت الجوانب المزاجية التسعة في ثلاثة أبعاد رئيسة فقط، (ومع الأسف تختلف المصطلحات باختلاف معامل علم النفس).
فهناك أولا: صفة «القدرة على ضبط النفس» التي تشير إلى بعض السمات مثل قدرة الطفل على التحكم في نفسه، والتركيز (مثل، مقاومة الرغبة في الحصول على لعبة محببة إلى النفس).
وثانيا: هناك صفة «العاطفة السلبية» التي تشير إلى مستويات المشاعر السلبية كالخوف والاحباط.
وثالثا: هناك صفة «الانبساط النفسي» أو «الابتهاج والانفتاح»، وهذه الصفات لها علاقة بمستويات النشاط والإثارة، وكون الشخص اجتماعيا.
وقد أُجريت دراسة روسية نشرت على الإنترنت هذا العام عن الشخصية والفروق الفردية، شارك فيها 45 أبا وأما صنفوا طباع أطفالهم المزاجية وفقا لهذه الأبعاد عندما كانوا في الشهور الأولى من العمر (سبعة شهور في المتوسط).
ثم صنف هؤلاء الآباء شخصيات أبنائهم مرة أخرى بعد ثماني سنوات، في المتوسط، استنادا إلى السمات الرئيسة لشخصية البالغين، مثل انبساط الشخصية، والعصابية (أي القابلية للإصابة بالاضطرابات النفسية).
وبالمقارنة بين النتائج التي أحرزها الأطفال عند المرحلتين من العمر، اكتشف الباحثون وجود تطابق في عدد من السمات الشخصية. فالأطفال الذين أحرزوا درجات أعلى في اختبار انبساط الشخصية أو الابتهاج والانفتاح (لأنهم كانوا أكثر بشاشة من غيرهم) أحرزوا في الغالب درجات أقل في اختبار العصابية، وهي إحدى سمات شخصية البالغين (أي أظهروا قدرة على الثبات الانفعالي أكثر من غيرهم) عندما صاروا عند الثامنة من العمر.
أما الأطفال الذين أحرزوا درجات أعلى في الصفة المقابلة لضبط النفس في هذه الدراسة، فأحرزوا درجات أعلى في جوانب الحرص والتأني في العمل عندما صاروا في الثامنة من العمر.
فإذا كان طفلك قادرا على الإنصات لفترة معقولة دون أن يشتت انتباهه شيء، فلتستبشر خيرا، لأن هذا ربما يعني أنه سيحافظ على نظافة غرفته عندما يكبر.