من الأسباب التي أخرت وتؤخر تطور ثقافة إدارة المشروعات العائلية تركيبة طبقات الشركاء وأعضاء مجلس الإدارة في الشركات العائلية
تمثل الشركات ذات الطابع العائلي الجزء الأكبر من القطاع الخاص الخليجي. وحتى الشركات الكبيرة والمرموقة التي تتسيد الأسواق الخليجية اليوم كانت في الأصل قد بدأت بمشروعات صغيرة وفي نشاطات هامشية ثم كبرت وقامت ببناء صناعات ثقيلة وقوية.
إلا أن الملاحظ أن النمو المادي لهذا الشركات ولفترة طويلة من الزمن لم يترافق معه تطور فكر وثقافة إدارة المشروع العائلي بنفس الوتيرة والسرعة ولكنه أخذ وقتا أطول. وقد أدى غياب أو عدم تطور هذا الفكر وهذه الثقافة ببعض رجال الأعمال إلى عدم التوازن في إدارة مشروعاتهم عندما نمت وزاد حجمها. فعلى سبيل المثال، نرى أن بعضا من المستثمرين ورجال الأعمال بدأوا بأنشطة أجادوها وحققوا فيها نجاحا فأغراهم هذا النجاح بالمغامرة والدخول في نشاطات أخرى ليس لهم فيها سابق تجربة، مما عرض مشروعاتهم للفشل، إضافة إلى طغيان عنصر المضاربة على عنصر الابتكار
لدى البعض من رجال الأعمال، ما زاد من تعرض مشروعاتهم لخطر الفشل وأحدث انعكاسات سلبية على الاقتصاد.
والمقصود هنا بعدم تطور فكر وثقافة إدارة المشروعات العائلية أن نمط إدارة الشركة وبالرغم من نمو حجمها من حيث النشاط والاستثمار، أنها ظلت تدار بأسلوب المشروع العائلي الصغير يديرها الرجل الواحد، وبقيت عندما توسعت وأصبحت مشروعات كبيرة، في إدارة الرجل الواحد أيضا دون وجود تفويض للصلاحيات وتوزيع للمسئوليات والمهام.
لذلك يجدر بنا أن نتوقف أمام الأسباب الرئيسية التي حالت دون تطور فكر وثقافة إدارة المشروع العائلي بنفس الوتيرة التي تطور بها دور وحجم وأهمية الشركات العائلية في الاقتصاد دون أن نغفل أن السنوات الأخيرة شهدت تطورا لا يمكن أن ننكره في هذا المجال.
وبرأينا فإن أغلب المشكلات الرئيسية التي أدت إلى تباطؤ تطور فكرة وثقافة إدارة المشروع العائلي تكمن في الخصائص الخاصة للشركات العائلية نفسها. فعلى سبيل المثال التقاليد والأعراف العائلية ليس في منطقة الخليج فحسب، بل تقريبا في كل العالم، حيث نرى مؤسس الشركة والجيل المؤسس يجب أن ينفرد بالقرارات ولا يرغب بمشاركة أبنائه فيها وذلك كجزء من ثقافة الأبوية التي يجب أن تسير كل شيء دون نقاش.
ومثال آخر هو تشابك وتداخل مصالح الشركة مع مصالح العائلية، إذ تختلط علاقة أفراد العائلة بصفتهم هذه مع علاقتهم ببعضهم بعضا من خلال الشراكة في ملكية وإدارة الشركة العائلية، وانه نتيجة هذا التشابك والتداخل تتأثر قرارات العمل التجاري بالعواطف التي تفرضها العلاقة العائلية. فعلى سبيل المثال، قد يتبنى مجلس إدارة الشركة قرارات أساسها المجاملة العائلية أو التي تهدف إلى الترابط العائلي، وذلك على حساب ما هو أنسب لتطوير الأعمال التجارية التي تمارسها الشركة. وبالتالي قد تتأثر الرابطة بين الشركاء في الشركة بمدى اتفاقهم أو عدم توافقهم كأفراد عائلة.
بالإضافة إلى ذلك، ومن الأسباب التي أخرت وتؤخر تطور ثقافة إدارة المشروعات العائلية تركيبة طبقات الشركاء وأعضاء مجلس الإدارة في الشركات العائلية. فعلى الأغلب يتكون أعضاء مجلس إدارة الشركات العائلية من أفراد العائلة الأكبر سنا، إذ يحكم علاقاتهم التدرج الهرمي التقليدي بين أفراد الأسرة؛ من الأب ثم الأخ الأكبر سنا ثم الأصغر سنا ثم الأجيال الأصغر وهكذا. وتنتقل إدارة المشروع وفقا لهذا التعاقب التقليدي إلى الأجيال من دون اشتراط لكفاءات معينة أو مؤهلات علمية أو غيرها من شرط السن أو التعليم أو التدريب أو شرط الخبرة العملية، ما يثير السؤال بشأن مصير الشركة عند انتقال الإدارة إلى بعض أفراد العائلة الشركاء في الشركات العائلية الذين لا تتوافر لديهم التجربة والخبرة العملية الكافية.
ومن العقبات الأخرى التي أبطأت تطور ثقافة إدارة المشروع العائلي اختلاف وجهات النظر بين أفراد العائلة ومدى تأثير ذلك على علاقتهم ودورهم كشركاء في الشركة. مثال ذلك، الخلاف بشأن مدى مسئولية كل شريك عن مشاركته في تنفيذ أعمال الشركة، أو كيفية إدارة المشروع وعرض المشروعات الجديدة، أو كيفية إصدار القرارات وتحديد نسب توزيع الأرباح والمكافآت وغيرها.
ومن المسائل الأخرى التي تعتبر من معوقات تطوير الشركات العائلية مسألة علاقة الشركاء في الشركات العائلية مع الموظفين الذين يعملون في الشركة، وخصوصا بالنسبة إلى الموظفين الذين يعملون في الشركة منذ فترة طويلة إذ تتوافر لديهم الكفاءة والخبرة. وهنا قد يصعب على الشركة العائلية الاحتفاظ بمثل هؤلاء الموظفين من دون طرح فكرة إدخالهم شركاء في الشركة أو منحهم بعض أنواع الأسهم في الشركة، حيث يمكن أن يحتفظوا بها طالما هم موظفون في الشركة ويمكن لهم بيعها على موظفين آخرين عند تركهم الشركة. والصعوبة تثور بشأن إمكان دخول أفراد العائلة في الشركات العائلية في شراكة مع موظفي الشركة أو مع الغير وذلك من دون التخلي عن السلطة العليا في إدارة الشركة العائلية أو تغيير صفتها.
في مقابل هذه المعوقات، ومن أجل تطوير فكر وثقافة إدارة المشروع العائلي، نحن ندعو الجيل الجديد في الشركات العائلية بالذات للنظر في العديد من جوانب القوة والجوانب الإيجابية التي يجب أن تدفع باتجاه تبني الممارسات والقواعد الحديثة في إدارة الشركات العائلية مثل ارتفاع درجة الثقة المتبادلة بين أعضاء العائلة، ما ينعكس على بناء العمل المشترك والهادف للمصلحة الواحدة وكذلك الولاء والارتباط العاطفي للعمل فيها وتسليم الريادة الإدارية من جيل إلى آخر، ما يخلق مناخا من الحرص على الأموال وترشيد النفقات وتدريب أفراد الأسرة على تحمل المسئولية والنضج الإداري المبكر لمناخ العمل. كما تتميز بمرونة اتخاذ القرارات والقدرة على التكيف والاستعداد لتحمل المخاطرة.
إن جميع هذه الجوانب يجب أن تدفع الأجيال الجديدة في الشركات العائلية باتجاه خلق ثقافة تنظيمية سليمة مستمدة من القيم والأخلاقيات التي نشأ عليها أفراد الأسرة وانتقلت عبر الأجيال إلى محيط العمل وأن يتم تبني الممارسات والأساليب الإدارية التي تحافظ على كيان الشركة واستمراريتها مثل وضع الميثاق العائلي وتكوين مجلس العائلة وتبني قواعد الحوكمة وغيرها من الممارسات التي ذكرنا إنها بدأت بدخول الشركات العائلية على نحو متسارع خلال السنوات الأخيرة.
وجود ثقافة تنظيمية للاختلاف في وجهات النظر يضمن تطور الشركات العائلية