يشكل «التحالف العربي»، الذي أُطلق بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة «تحالف الشيطان» في المشرق العربي، نواة عروبية تؤسس لـ«النهوض القومي»، ويمثل حجر الزاوية في مواجهة مشاريع الهيمنة والاستحواذ المحمومة، التي تستهدف النيل من حاضر ومستقبل المنطقة.
«التحالف العربي»، الذي جاء كاستجابة لمخاض عروبي طويل، تزامن مع «صرخة استغاثة» أطلقتها «الشرعية الوطنية والشعبية» في اليمن، ولمواجهة التمادي الفارسي، الساعي إلى تطويق المشرق العربي وإحالته إلى صيرورة من الدم المراق.
وأحيا إطلاق التحالف، في مارس 2015، آمالاً عريضة لدى شعوب المنطقة، التي ظلت تنتظر ميلاد «قوة عربية» قادرة على «اسناد الحاضر» وتأثيث «طريق المستقبل».
أجندة «التحالف العربي» بدت، مع أولى طلعات العسكرية، تعبيراً جلياً عن «حزم عروبي» في مواجهة المارقين والخارجين، أفراداً وجماعات ودول، مستندة إلى قيم تقيم لـ «الحق» و«الأمل» و«السلام» راية، دون إفراط أو تفريط في مواجهة «البغي» و«العدوان»، الذي توارى خلف «هويات ضيقة»، ادعت زوراً وبهتاناً بأنها «أنصار الله»، فيما أثرها لم يشي بغير «الشيطان»، متجسداً هناك إيران، دولته الزاعمة بإسلاميتها.
تعرض «التحالف العربي» لجملة من حملات الزيف والتضليل، التي كانت آخرها (السبت الماضي) «الزعم» باستهدافه سرادق عزاء في العاصمة صنعاء، وهو ما نفته القيادة العسكرية، ليثير هذا حملة من الانتقادات أطلقتها «جوقة الشيطان» وواصلت ترديدها.
الفريق الركن د. قاصد محمود، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، يقول في حديث لـ «اليوم»: إن العمليات العسكرية تتضمن صيرورة معقدة جداً من المعلومات المحدّثة، التي تعتمد بشكل رئيسي على الوقائع القادمة من الميدان. وأشار محمود إلى ما أسماه «منطقة الحيرة» في العمليات العسكرية الشبيهة بالحالة اليمنية، وقال: «حادثة سرادق العزاء أمر مؤسف، ويثير مشاعر وأحاسيس إنسانية لسقوط ضحايا مدنيين، وهذا يمكن تفهمه؛ ولكن في العمليات العسكرية ثمة أدبيات ناظمة للعمل، فإذا كانت العملية تستهدف قيادات عسكرية في المنطقة فهذا يعتبر هدفاً عسكرياً بامتياز، دون أن ننكر إمكانية وقوع الخطأ، وهذا ما ستكشف عنه التحقيقات». واستبعد الفريق قاصد محمود أن تكون الحادثة مدبرة، وقال: «استبعد تماماً كعسكري أن يكون قصف سرادق العزاء مقصوداً لذاته، وبتدبير مسبق».
ولفت د. محمود إلى أمثلة عديدة في «تدبير» و«فبركة» عمليات تستهدف «تأليب المكونات الاجتماعية والمذهبية» ضد بعضها البعض، والعمل على «بناء سيناريو مفبرك وبيعه على الجمهور»، من بينها تفجير عدة مواقع دينية في اليمن، وكذلك في العراق تفجيرات النجف وكربلاء، التي بدت أصابع إيران واضحة فيها تماما، وهدفت إلى «تخليق رأي عام». ويضيف «ما جرى في حادثة سرادق العزاء هو محاولة إيرانية للاستفادة من الحدث بأقصى ما يمكن، وهو توظيف لواحد من أساليب وأدوات الحروب، وهو الإعلام».
وأشار الفريق قاصد محمود الى أن «التحقيقات ستكشف حقيقة ما جرى، خاصة أن الأجواء مفتوحة أمام الأقمار الاصطناعية، ولا يمكن لأي طرف إلصاق التهمة بالتحالف».
ويرى د. محمود أن «المواجهة مع المشروع الفارسي تتخذ أبعاداً شمولية وحضارية، تتجاوز الدلالات الفرعية للصراع، ويستحضر فيها مختلف الأشكال والأدوات والأساليب الصراعية؛ وفي الحالة اليمنية لا يمكن النظر إلى الأمر بأنه ضمن مفاهيم الصراع الفرعي، وكذلك الأمر في مختلف ساحات المواجهة».
واعتبر د. محمود أن «المواجهة السياسية في اليمن، شأنها شأن المواجهة العسكرية، هي تعبير عن الشرعية في مقابل محاولات قرصنتها من الحوثيين والإيرانيين أو من قبل المخلوع».
وشدد د. محمود أن «الحرب في اليمن هي حرب دفاعية وشرعية تماماً، واتخاذ قرارها كان مصلحة عربية عليا، فتطويق المشرق العربي شمالاً وجنوباً هو تهديد استراتيجي، ولن نسمح به». الفريق الركن د. قاصد يعتبر التحالف «تلبية للتطلعات والمطالب الشعبية العربية، التي طالما حلمت بقوة عربية مشتركة قادرة على مواجهة تحديات الحاضر، والدفاع عن المستقبل»، مبينا أنه «جاء تعبيرا عن احتياجات أمنية وإستراتيجية، على الصعيدين الوطني والقومي، وكذلك انعكاساً لأنظمة الدفاع العربي المشترك، سواء الإقليمية ممثلة في دول الخليج العربي، أو القومية ممثلة في جامعة الدول العربية».
وفي ذات الاتجاه، يقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية د. نزار السامرائي - في اتصال هاتفي مع «اليوم» - «هناك استهداف مبرمج لعمليات التحالف العربي، يسعى إلى حرفه عن إستراتيجيته وإغراقه في التفصيلات الصغيرة، ويصار إليه عبر رصد أطراف عديدة لكل خطوات التحالف».
وفي تشخيصه، يرى د. السامرائي، وهو عميد الأسرى العراقيين في إيران، أن «عمليات الرصد، التي تنفذها إيران وميليشياتها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، تسعى إلى التركيز على النقاط التي يمكن اعطائها تفسيرات متعددة الأوجه، للنيل من التحالف وحرفه عن غاياته». ووصف د. السامرائي ما يدور في الأروقة الدولية بـ«الأصوات المنكرة»، وقال إنها «أصوات منكرة تستهدف النيل من عزيمة التصدي للمشروع الفارسي في المنطقة، وإحباط الجهود الساعية إلى كنس الوجود الإيراني من مختلف أرجاء المشرق العربي». ويرى السامرائي أن «الحملة الأخيرة غايتها إلهاء التحالف العربي عن أهدافه الإستراتيجية، عبر إشغاله في تفصيلات عملياتية متوقعة الحدوث في مختلف الحروب وساحات القتال»، ضارباً أمثلة عديدة لأخطاء العمليات العسكرية الأمريكية في حروب العراق وأفغانستان وغيرها.
وأشار السامرائي إلى قصف القوات الأمريكية في العراق، خلال عمليات تستهدف تنظيم داعش، لحشد عشائري في قاطع صلاح الدين، متسائلاً «لماذا لم يثر هذا الأصوات المنكرة ذاتها، التي تعالت بعد حادثة اليمن، رغم أن المسؤولية عنها لا تزال غير واضحة، وسيصار إلى التحقيق فيها؟».
وزاد: «في سوريا، نفذت الطائرات الروسية عدة عمليات قصف استهدفت مشافي طبية في حلب وغيرها بدعوى استهداف جبهة فتح الشام وغيرها من الفصائل السورية المسلحة، فهل الاخطاء العسكرية حق فقط لصانعي السلاح دون غيرهم؟!».
وحول المطلوب من «التحالف العربي»، يقول السامرائي: «نطالبه بالمضي في طريقه وأجندته، الهادفة الى تقويض أعداء الأمة أولاً، وتمكين الأوطان في مواجهة المخاطر ثانياً، وهي مهمة يتطلبها المستقبل كما يلح بها الحاضر».