DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

صور من الوفاء في زمن النكران

صور من الوفاء في زمن النكران

صور من الوفاء في زمن النكران
بعد نهاية يوم عمل مضنِِ وببدلته الممهورة بشعار واسم الشركة انتهى ذلك الموظف المهني التقني من صلاته، فتسابق اثنان من أبنائه لم يتجاوز أكبرهما الخامسة من عمره في تقبيل رأس وأنف ويد أبيهما ثم انصرفوا إلى بيتهم القريب من المسجد يغمرهم سرور بالغ. أستاذ جامعي متقاعد كان خارجاً من المسجد الحرام وإذا بأحدهم يقترب منه ويصافحه بحرارة ويقبل رأسه ثم يقول له: أنا (فلان) أحد طلابك تلقيت العلم منك في المرحلة الجامعية أكرمتني بعلمك وخلقك ولن أنسى فضلك علي ما حييت. معلم في أحد الأسواق التجارية يأتيه أحد تلاميذه ويسلم عليه بحرارة ويصر على تقبيل رأسه أمام الجميع. هذه المواقف المفعمة بالوفاء المسكونة بالنبل ليست بغريبة على مجتمعنا وعلى أفراد مجتمعنا، فمهما تقدم الزمن وتغيرت أحوال الناس وأثرت الحضارة في سلوكياتهم والمدنية في طبائعهم تبقى تلك الصفات القيمية الطيبة موجودة ومتأصلة في أعماق الروح لا تختفي ولا تتلاشى. ربما يقل الوفاء عند البعض ولكنه يظل باقياً وشامخاً وكم هو جميل أن نحافظ على تلك الصور المتألقة وننشرها بكل وسيلة ممكنة في مجتمعنا إذ إنها مسألة تربوية في المقام الأول. ذلكما الطفلان لم يجبرا على محبة والدهما وتقديره ولم يتصنعا التسابق على تقبيل أبيهما وكأنهما يشكران كل نقطة عرق نزلت من جبينه بعد يوم عمل طويل في ذلك اليوم الصيفي القائظ ولكنها التربية التي لا أشك للحظة أن للأم دورا مهما جداً فيها. وذلك الرجل الذي تقدم وقبل رأس أستاذه الجامعي لم يكن مجبراً على ذلك ولم يكن أستاذه كما نقل لي يعرفه لكثرة ما مر به من طلاب جامعيين في خدمة تجاوزت الثلاثين عاماً وربما كان ذلك الطالب - وقد تجاوز الأربعين من عمره - في مركز وظيفي مرموق، كان يمكن لذلك الطالب أن يتجاهل أستاذه الجامعي ولكنه الوفاء الذي استحثه على أن يبادر ويتوجه إلى أستاذه القدير فيقبل رأسه ويشكره ويدعو له، إنها صورة من صور الوفاء التي تتكرر كثيراً وهي بالتأكيد علامة مهمة ومؤشر رائع على أن مجتمعنا لا يزال بخير. وذلك التلميذ النجيب لم يمنعه الخجل أو المكان العام أن ينزوي عن معلمه أو يبتعد بل جاء بكل حب إلى معلمه ليصافحه ويصر على تقبيل رأسه ويبدو واضحاً جداً أن الأمر يتعلق بالمعلم والتلميذ فلو لم يكن ذلك المعلم معلما قديراً وقدوة في خلقه وسلوكه وتربيته وعلمه ومؤثراً بشكل إيجابي في تلاميذه لما تقدم إليه تلميذه شاكراً وممتنا، وفي المقابل يتضح أن ذلك التلميذ هو نتاج تربية عالية من والديه وأسرته تلك التربية الجميلة التي دعته إلى تقدير معلمه بهذه الصورة الرائعة. يحدث ذلك في وقت انعدم فيه الوفاء من بعض أبناء مجتمعنا تجاه أقرب المقربين منهم وإلا كيف نفسر أن يحجر أبناء على أبيهم بحكم قضائي لأجل الاستحواذ على أمواله وممتلكاته؟ أو كيف يصل مستوى النكران والعقوق عند بعض القلوب المتحجرة إلى درجة تمتقع فيها نفوسهم بالسواد فيضعون أمهم في دار للعجزة؟ أو كيف لذلك العاق العاصي أن يحمل والده فيرميه على قارعة طريق بعد أن مل وضجر من خدمته؟ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل بلغ النكران في حالات نادرة إلى الإيذاء والقتل للأبوين أو أحدهما وتلك مأساة كارثية لا يمكن لقلم أن يصورها أو يصفها. هذه المواقف الأخيرة المثخنة بالحزن والألم لا تنسينا أن الوفاء باق في مجتمعنا ما بقيت الحياة. * تربوي