إعادة الهيكلة هي عملية يتم من خلالها إعادة ترتيب الأولويات بما يحقق تعظيم الفائدة من نقاط ومكامن القوة ومجموعة الميزات النسبية التي نملكها. كما وتعني التركيز على إصلاح مكامن الضعف ومراكزها وحلقاتها، ودراستها وتحليلها؛ لمعرفة أسباب نشوئها ومسبباتها فيتم معالجتها وفق ما هو متاح وممكن لتتحول إلى نقاط قوة. إعادة الهيكلة تعني إعادة تقييم للواقع ليتم إصلاحة، كما ويتم فيه إعادة تموضع بما يحقق انطلاقة أقوى ومخرجا أكثر جودة وقيمة مضافة. إعادة الهيكلة تعني التغير مع المتغيرات والدورات الاقتصادية صعودا وهبوطا بما يضمن تعظيم الفائدة الاقتصادية في كلتا الحالتين. إعادة الهيكلة تعني نبذ الجمود الذي لا يتواجد إلا وتحل معه ما لا يحمد عقباه. إعادة الهيكلة تعني المبادرة بما يحقق التقدم اقتصاديا واجتماعيا أيضا. والمبادرة مطلب وواجب لا يمكن القبول بغيره في زمن سريع التغير وحاد التقلب وصعب المجاراة. وبلادنا في هذا الوقت تمر بمرحلة إعادة هيلكة اقتصادية واجتماعية، وكلتاهما تمضيان معا على كل الأحوال. فرض هذا الواقع سوق النفط الذي طرأ عليه ما غير منه جذريا مؤخرا، فوجب علينا إعادة هيكلة اقتصادنا بما يضمن استمرارنا في التقدم مع هذه المتغيرات التي لا تخفى على متابع. وإعادة الهيكلة ليست بالأمر اليسير، فهذه العملية تتطلب قدرا عاليا من مكاشفة الذات بنقاط الضعف لتتم معالجتها، وربما كان الأمر مؤلما على المدى القصير، ولكنه مجد متى نجحت المعالجة على المديين المتوسط والبعيد. إعادة الهيكلة تعني في كثير من الأحوال تجرع المر، إلا أنه يجنبا أمرا أشد مرارة متى تجاهلنا الضعف ولم نعالجة. وهنا لا بد أن يكون الوعي والحكمة سيد الموقف وبدونه سنواجه مطبات تطيل من أمد المعالجة.
وحتى هذه اللحظة تم إصلاح الكثير في اقتصادنا، وبتقبل يشاد به من الجميع، وهذا لا شك ينم عن وعي عميق بضرورة التغيير بما يضمن إعادة تموضع بلادنا على الخارطة الاقتصادية في العالم. فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني ليتم تحفيز البناء والعمران، ورفع تدريجي للدعم الذي من خلاله تم تأسيس بنية اقتصادية صناعية ضخمة ليتم رفع كفاءة التشغيل في المصانع والآلات الصناعية الضخمة التي نملكها، ورفع جزئي للدعم عن الوقود بما يضمن عدم الإسراف، والحد من صرف البدلات لغير مستحقيها، وإيقاف هدر مالي تجاوز الـ100 مليار ريال، وتقديم رؤية 2030 الواعدة والتي يتحفز الجميع للمشاركة بها وانجاحها لنخرج من نفق الاعتماد على النفط كمصدر دخل والقادم كثير، وكل هذا يصب في خانة إعادة هيكلة اقتصادنا.
إعادة هيكلة الاقتصاد تمر بعدة مراحل، أولها: التخطيط الذي يأخذ في الاعتبار كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية، ثم يأتي توزيع المهام على الجهات كل وفق اختصاصه، ليتم بعدها التنفيذ ويتخلل التنفيذ مراجعة دائمة لمعرفة مدى الالتزام بالخطة. وكل هذا يحتاج إلى جهد جماعي ووعي على كافة المستويات بضرورة تحقيق الأهداف، كما ولا بد أن تكون المحاسبة صارمة للمقصر والغافل. فلا بد من النجاح لتحقيق المبتغى ولا ينبغي السماح لأي كان بالإخلال بالمسيرة تحت أي ذريعة كانت.
بلادنا ثبتت قدرتها على تخطي الصعاب على مر الأزمان. وما نشهده اليوم ليس سوى حلقة من سلسلة تطوير مستمرة ستؤدي -بإذن الله- لنكون دولة مؤثرة لا متأثرة بالأحداث. السكينة والجمود أول مؤشرات الإخفاق، ونحن نتحرك ونتقدم دوما لكل ما يؤدي لتفوقنا اقتصاديا واجتماعيا وعلميا. التطوير ضرورة، وإعادة الهيكلة مطلب؛ وسنكون ما نرتضي لأنفسنا أن نكون عليه. أما أعداؤنا ومن يسعى لإحباطنا فسنتجاهلهم، وسندعو الله لهم بالهداية، فإن اهتدوا فخير؛ وإن استكبروا فمصيرهم الفناء، كأسلافهم، ليكونوا عبرة لمن يعتبر.