يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً... وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ
وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ... أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ
فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى... وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ
«أبو الطيب المتنبي»
من المتوقع أن تحقق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الطب انتشارًا واسعًا على مستوى العالم، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 42%، حتى العام 2021م. ويتراوح استخدام الذكاء الاصطناعي من برامج تشخيصية لاكتشاف الأمراض والأدوية إلى ممرضات افتراضيات. ويعود سبب التوسع الهائل في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية إلى قدرتها على توفير خدمة أفضل للمرضى، وخفض تكاليف العلاج، والقضاء على إجراءات المستشفيات التي لا داعي لها، وتسهيل سير العمل، وإيجاد خطة علاجية خاصة بكل مريض.
ومن المتوقع أن يتم بحلول العام 2020م تشخيص الأمراض المزمنة كالسرطان وأمراض الدم في دقائق، باستخدام النظم المعرفية التي توفر في اللحظة صورًا ثلاثية الأبعاد من خلال تحديد الخصائص الفسيولوجية النموذجية في المسوحات. وبحلول العام 2025م، سيتم تطبيق أنظمة الذكاء الاصطناعي في 90% من مستشفيات الولايات المتحدة، وفي 60% من المستشفيات العالمية. وفِي المقابل، فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستقدم رعاية صحية يمكن الوصول إليها بسهولة، وبأقل تكلفة، وبجودة أفضل لنحو 70% من المرضى في العالم.
وقد وصل عدد المنشآت المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية إلى أكثر من 90 منشأة هذا العام (2016م)، بعد أن كان هذا العدد لا يتجاوز 10 منشآت في العام 2011م، وَ60 منشأة في العام الماضي (2015م). ويعمل نحو 22 منها في مجال تحليل صور الأشعة المختلفة، وَ16 في مجال إدارة المخاطر الصحية، وَ10 في مجال اكتشاف الأدوية، وَ9 منها متخصصة في الأجهزة الطبية الملبوسة، كالساعات والنظارات. وتعمل 9 أخرى في أجهزة المراقبة وأسلوب الحياة، وَ7 منها في مجال الطوارئ وإدارة المستشفيات، وَ5 منها في مجال المساعد الشخصي الافتراضي. ومنها 3 منشآت متخصصة بالصحة النفسية، واثنتان متخصصتان في مجال البحوث الطبية، وواحدة في مجال التغذية، وَ10 منها في مجالات متعددة أخرى. ويبلغ حجم الاستثمار في هذه المنشآت نحو 1.7 مليار دولار.
في مجال التشخيص، تفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في تشخيص العديد من الأمراض وبسرعة هائلة. فمنذ أشهر قلائل، استطاع برنامج شركة «آي بي إم» المسمى «واتسون» تشخيص حالة امرأة تبلغ من العمر 60 عامًا على أنها مصابة بنوع نادر من سرطان الدم، بعد أن احتار علماء علم الأورام في جامعة طوكيو في معرفة المرض لعدة أشهر. فقد احتاج واتسون إلى فحص نحو 20 مليون ورقة بحثية من أجل التوصل إلى التشخيص السليم. ولكن العملية كلها لم تستغرق سوى عشر دقائق.
وتبقى صور الأشعة الطبية مجالا رحبًا للتشخيص الآلي. فقد أعلن مستشفى «مورفيلدز» للعيون في لندن أنه يعمل مع قسم أبحاث الذكاء الاصطناعى في غوغل، المسمى «DeepMind،» لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على اكتشاف أية عوامل مهددة للإبصار من خلال المسح الرقمي للعين.
وطورت الشركة البريطانية «بيبيلون» تطبيقا جديدًا يمثل مستشارًا طبيًّا عبر الإنترنت. حيث يقوم المرضى بتحديد شكواهم وأعراض مرضهم شفويًّا للتطبيق باستخدام خاصية التعرف على الكلام، والذي بدوره يفحصها من خلال قاعدة بيانات من الأمراض. ويأخذ التطبيق في الحسبان تاريخ المريض والظروف المحيطة، ويقدم مسارًا مناسبًا للعلاج. ويقوم أيضا بتذكير المريض بتناول أدويته، ومتابعة معرفة ما يشعر به. ومن خلال هذه الحلول، فإن كفاءة القدرة التشخيصية قد تتضاعف عدة مرات، في الوقت الذي تتقلص فيه فترة الانتظار أمام عيادات الأطباء بشكل كبير.
وطورت شركة «سينسلي» ممرضة آلية اسمها «أوليفيا» لا تعرف التعب، ويمكن التواصل معها من خلال تطبيقات الهواتف الذكية. فهي تفحص أعراض المرض لديك، وتعطيك المشورة بشأن العلاج، وتساعدك على تحديد موعد مع الطبيب. ويتم التخاطب معها بعدة لغات.
وفي مجال اكتشاف الأدوية، فإن اختبارات جدوى دواء واحد والتأكد من ملاءمته للبشر قد تستغرق 15 عامًا من البحث والتجربة، وتكلف في المتوسط 2.5 بليون دولار. أما اليوم فإن أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على الإسهام في تقليل مدة وتكلفة إنتاج العلاج وتحسين الرعاية الصحية. فباستخدام الحواسيب فائقة السرعة، تصبح نماذج المحاكاة قادرة على القيام ببحث افتراضي لإيجاد علاج لأوبئة مثل إيبولا خلال أقل من يوم، بدلا من شهور أو سنين، مما سيسهم في إنقاذ حياة عشرات الآلاف من البشر عند اندلاع أوبئة جديدة.
كل ما سبق ذكره يتعلق بعلاج المرض بعد وقوعه من خلال تشخيص الأعراض. ولكن المؤمل من الذكاء الاصطناعي أن يساهم قريبا في التنبؤ بالأمراض قبل وقوعها، وكذلك منعها من الوقوع. فاليوم هناك نقلة نوعية في الطب يقودها الذكاء الاصطناعي من خلال علم الوراثة والجينوم. فعلى سبيل المثال، أنتجت «ديب جينوميكس،» وهي شركة حديثة تأسست في العام الماضي، برنامجًا قادرًا على تحديد أنماط في مجموعات البيانات الضخمة من المعلومات الوراثية والسجلات الطبية، والبحث عن الطفرات الجينية وارتباطها بالمرض. وسيكون في مقدوره التنبؤ بالأمراض المستقبلية المُحتمل وقوعها للإنسان عند ولادته، واقتراح الوسائل لمنع حدوثها.
خلال السنوات العشر القادمة، سيحدث تحول جذريّ في الرعاية الصحية. ومصدر هذا التحول في مجال التشخيص والرعاية والعلاج يكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على إيجاد أنماط في قواعد بيانات ضخمة جدًّا، يصعب على العقل البشري اكتشافها وفهمها.
من المتوقع أن يتم بحلول العام 2020م تشخيص الأمراض المزمنة كالسرطان وأمراض الدم في دقائق، باستخدام النظم المعرفية التي توفر في اللحظة صورًا ثلاثية الأبعاد من خلال تحديد الخصائص الفسيولوجية النموذجية في المسوحات