من أمثال العرب قولهم «مواعيد عرقوب»، وهو مثل يضرب به في خلف الوعد..
ما أكثر «العراقيب» في زماننا.. وقد تمر بك حالات «تعرقب» الآخرين سواء حسبت حساب هذه «العرقبة» أم لم تحسبها.. وقد يكون الآخرون «عرقبوك» بطريقة أو بأخرى، فما منا وإلا وحام حول دائرة «العرقبة».
أعد أحياناً ابنتي العزيزة– السيدة البندري- بطلعة أو بغرض ما، ثم أنسى أو أنشغل، لتفاجئني بقولها: أنت وعدتني!!! فأقع في حرج شديد؛ لأن من ضرورات التربية ألا تظهر التناقض أمام أولادك، فهم لا يفهمون الظروف ولا يقدرون حسابات الانشغال.. فصرت لا أعدها بشييء مستقبلاً، وإنما أحضر الشييء كمفاجأة لها.. وبذلك تخلصت من «العرقبة»!
وكلنا مع من حولنا قد نتعرض «للعرقبة».. صديقك الذي يعدك بحل مشكلتك، ويضرب على صدره ويقول لك «ازهلها»؛ لتتفاجأ بعد أيام أنه «جَرَد» بك نهاراً جهاراً، فلا هو الذي أوفى بما وعد ولا هو الذي اعتذر وتركك تبحث عن حلول لمشكلتك!
حتى الحكومات، قد تعد مواطنيها، وتذهب الوعود أدراج الرياح.. وأيضاً الوزارات هي الأخرى تعد ثم تعد، وتُصَبِّر المواطن الغلبان.. وفي الأخير تعتذر بأعذار واهية!، وكثيرون يعدون أطفالهم وأزواجهم، ولا يوفون بالوعد. قد نَعِد الآخرين لاحتمالات معينة، ثم لا نتمكن من الوفاء.. وأجمل تصرف هنا أن تعتذر بكل شجاعة، لا أن نجعل الآخرين يكتوون بنار وعودنا، ويعيشون على السراب الذي ظنوه ماءً!
وقصة «عرقوب» بالمختصر.. هو رجل كان له أخ ذهب إليه يطلب منه شيئاً، فقال «عرقوب»: إذا اطلعت هذه النخلة فلك حملها، فلما أخرجت «طلعها» أتاه، فقال له: دعها حتى تصير «بلحاً»، فلما أبلحت أتاه فقال له: دعها حتى تصير «زهواً»، فلما أزهت قال له: دعها حتى تصير «رُطباً». فلما أرطبت قال له: دعها حتى تصير «تمراً»، فلما أتمرت، قام «عرقوب» بجذّها بالليل قبل أن يأتي أخوه في الصباح، فلما جاء أخوه في الصباح ليأخذ التمر لم يجد شيئاً، ولهذا قالوا فيه: مواعيد عرقوب، فأصبح «عرقوب» مضرب مثل بالمطل وعدم الوفاء بالوعد.
وقد جادت قرائحُ الشُعراء في وصف الواقعة، وممن ذكرها الشاعر كعب بن زهير في قصيدته الشهيرة «البردة» التي أنشدها أمام النبيِ- صلى الله عليه وسلم- والتي مطلعها:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْم...
ثم قال:
ولا تَمَسَّكُ بالعَهْدِ الذي زَعَمْتْ
إلاَّ كَما يُمْسِكُ الماءَ الغَرابِيلُ
فلا يَغُرَّنْكَ ما مَنَّتْ وما وَعَدَتْ
إنَّ الأمانِيَّ والأحْلامَ تَضْليلُ
كانَتْ مَواعيدُ عُرْقوبٍ لَها مَثَلا
وما مَواعِيدُها إلاَّ الأباطيلُ
بقي أن نعرف أن خلف الوعد محرم في الإسلام، وعُد من صفات المنافقين، قال عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
ولكم تحياتي