قرأت فيما قرأت أن رجلا كان يسير بجوار نهر، فسمع صرخة شاب يطلب النجدة، وهو يكاد يغرق في النهر، فجرى الرجل مسرعا إلى ضفة النهر، ثم قفز في الماء لإنقاذ الشاب، وجذبه من الماء وبدأ بتقديم الإسعافات الأولية له، الى أن استعاد وعيه، وفي هذه الأثناء سمع الرجل شخصا آخر يصرخ طلبا للمساعدة، وهو يغرق في النهر، فقفز الرجل فورا إلى النهر مرة أخرى وأنقذه، وبمجرد أن بدأ الرجل الثاني يتعافى، سمع الرجل استغاثة شخص ثالث يكاد يغرق وطلب المساعدة، فعاد الرجل لإنقاذه، وتكرر طلب النجدة والرجل ينقذ أكثر من 5 مرات، حتى أُنهك من عمليات الإنقاذ المتكررة، وفي النهاية مات الرجل غرقا، بعد أن أجهد نفسه أثناء محاولات الانقاذ، وفات الرجل أن يتنبه لوجود فتحة في الكوبرى، الممتد على النهر يسقط منها الناس، فلو امعن التفكير قليلا في سبب غرق هؤلاء الأشخاص، لذهب لمكان الفتحة وحذر الناس منها، وبهذا يكون وفر الجهد في معالجة السبب، بدلا من الانهماك في معالجة النتيجة!!
طريقة معالجة هذا الرجل للمشكلة التي أودت بحياته، تكاد تكون نفس الطريقة التي يعالج بها البعض مشاكله الخاصة أو الأسرية، فهناك أناس لا يتعاملون مع مشكلاتهم بالحد الاعلى من الجدية والحكمة، فيتجهون مباشرة لعلاج سبب المشاكل لا ذات المسبب، لذلك تجد أن هناك مشاكل اسرية وزوجية لا تنتهي وتتكرر في مضمونها، والسبب أننا صرفنا جهدنا في مواجهة أعراض المشكلة، وغفلنا كثيرا عن البحث عن أصل مسبباتها، لذلك بتلك المعالجة غير الصحيحة، تنتهي مؤقتا الخلافات الأسرية، ويبقى الوضع هشا وقلقا، وقابلا في أي لحظة للاستجابة لأي شرارة خلاف، لتعود المشكلة بشكل مختلف وأعمق، ثم تتشعب وتخرج عن السيطرة، وهنا يحبط صاحب المشكلة ويفقد الأمل في حلها، لأنه اهتم بجزء بسيط وفرع من المشكلة، ولو استهلك وقته وجهده في علاج أصل المشكلة لزال اثرها!!
لا يظن أحد من حديثي الزواج، ولا المقبلين عليه لاحقا، أن هناك علاقة زوجية دائما مثالية وبدون مشاكل، فمثل هذه العلاقة لا توجد إلا في المدينة الفاضلة، وليست بيوتنا بأفضل من بيت النبوة، الذي لم يخل من خلاف أسري، ولعل قول النبي عليه الصلاة والسلام لزوجه عائشة رضي الله عنها «ﻣﻦ ﺗﺮﺿﻴﻦ ﺑﻴﻨﻲ ﻭﺑﻴﻨﻚ؟»، دليل وجود خلاف أسري بينهما، وكل البيوت تعتريها المشاكل، ولكن تطورات المشكلة ودرجة حدتها، وبروزها خارج أسوار المنزل، تزداد وتقل بمقدار ما لدى الزوجين من ضبط للنفس والتعامل بعقل وحكمة مع المشكلة، ولا أعتقد أن هناك من يريد أن يفشل في حياته الزوجية ذكرا كان أم انثى، ولكن هناك من الازواج من يكرس فشل العلاقة الزوجية بسلبيته وسوء إدارته وهو لا يشعر، فكيف تستمر علاقة زوجية وهناك إهمال وأنانية مفرطة من أحد الطرفين تجاه الآخر، رغم إدراكهما أن علاقتهما بنيت في الأصل على الشراكة؟ وكيف تستقر الحياة الاسرية، وهناك من الزوجين من يضخم المشاكل، ويخرجها من حجمها الطبيعي، ويتخذ العناد والمكابرة اسلوب حياة، فلا يتنازل ولا يتغاضى ولا تقع عينه إلا على القبيح؟، مثل هذه العلاقة يصعب معها تعايش الزوجين، فرابطها الأساسي مفقود، مما يزيد اتساع الفجوة والتنافر بين الزوجين المؤدي للانفصال الذي هو أبغض الحلال! كل المشاكل الأسرية لها حلول متى استحضرنا النية الصادقة، وعملنا بعقلانية وحيادية تساعد على انهائها، المهم ونحن نبحث عن الحلول لخلافاتنا الأسرية، يلزمنا التفاؤل وننزع من على رؤوسنا قبعاتنا السوداء!!
¶ كاتب متخصص بالعلوم العسكرية ومهتم بالشأن الاجتماعي