عاد الدولار إلى مستوياته المرتفعة التي وصل إليها مؤخرا قبل تسعة أشهر. ومحركات هذا الارتفاع مشابهة لتلك المحركات التي تسببت في ارتفاع العملة الأمريكية في وقت سابق من هذا العام. مع ذلك، هذه المرة، كان الأثر الواقع على الأسواق المالية مختلفا تماما. وإذا استمر ذلك، ستكون الآثار المترتبة على سياسة الاحتياطي الفيدرالي مختلفة أيضا.
عمل المتداولون على دفع الدولار لمستويات أعلى استنادا إلى ثقتهم باقتراب حدوث اختلاف في سياسات البنوك المركزية - بمعنى، إجراء تشديد من قبل الاحتياطي الفيدرالي حتى بينما تقوم المؤسسات الأخرى المهمة على مستوى النظام بأكمله مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان وبنك إنجلترا وبنك الشعب الصيني بالحفاظ على أو تكثيف برامجها في التخفيف النقدي. لكن على النقيض من الفترة السابقة، كان الأثر الواقع على الأسهم الأمريكية واهنا جدا.
بدلا من تحمل عملية بيع استجابة للضغوطات التنافسية الناجمة عن العملات - الأمر الذي حدث خلال الربع الأول - كان أداء الأسهم الأمريكية لا بأس به. وقد كان من المفيد إبرام الكثير من الاتفاقيات خلال تلك الفترة، في الوقت الذي رحب فيه المستثمرون بتدفق التمويل الخاص بعمليات الاندماج والاستحواذ إلى السوق، سواء من أموال الشركات النقدية الموجودة في الميزانيات العمومية أو التمويل الجديد من بيع السندات. نتيجة لذلك، بقيت الأوضاع المالية تسهيلية للغاية، على الرغم من ارتفاع قيمة الدولار.
كما كان مستثمرو الأسهم مطمئنين من هذا الإدراك الصحيح والمتزايد بأن دورة الارتفاع هذه لدى الاحتياطي الفيدرالي سوف تبتعد ابتعادا تاما عن المعايير التاريخية. بدلا من اتباع مسار زيادات يكون خطيا نسبيا على فترات منتظمة، سيقوم بالإعلان عن ميزات وخصائص «الانقطاع في الرفع المتواصل لأسعار الفائدة». أيضا، وربما الأمر الأهم، ستكون نقطة النهاية - أو ما يسميه خبراء الاقتصاد «سعر الفائدة المحايد»- أقل بكثير من المعدلات التاريخية الأخيرة.
السؤال المطروح هنا هو ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي سيكون قادرا على فرض هذا التشديد التدريجي والمدروس على الأوضاع المالية دون الإخلال بالأسواق التي أصبحت معتادة على تلقي الدعم الاستثنائي من البنوك المركزية. مع ذلك، ما هو واضح هو أن التعزيز الأخير للدولار، في حد ذاته، من غير المرجح أن يكون رادعا لحدوث ارتفاع في أسعار الفائدة لبقية هذا العام. وهذا أمر من الأرجح أن يحدث في شهر كانون الأول (ديسمبر) وليس في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل.
باستشعار حدوث هذا، الأسواق عملت منذ الآن على رفع الاحتمالية الضمنية لقيام الاحتياطي الفيدرالي بإجراء ما في شهر كانون الأول (ديسمبر) إلى نسبة تقارب 75 بالمائة. جنبا إلى جنب مع الهدوء المالي والاقتصادي قصير الأجل في الخارج، بما في ذلك القلق الأقل بكثير حول الهبوط الحاد في الصين، سيعمل هذا على طمأنة الاحتياطي الفيدرالي، الذي يميل منذ الآن نحو اتخاذ خطوة أخرى، وإن كانت خطوة صغيرة، لتطبيع السياسات النقدية. علاوة على ذلك، وعند النظر إليه من الناحية النسبية، يسهم هذا التطبيع للسياسات النقدية في سياق الدولار الأقوى في عملية «إعادة التوازن العالمية» اللازمة لوضع الاقتصاد العالمي على أرضية أكثر ثباتا.
لكن في نهاية المطاف، ستكون الأساسيات المطلقة، وليس الاتجاهات النسبية، هي التي تضمن الحصول على اقتصاد عالمي مزدهر واستقرار مالي حقيقي. ولا يزال الأساس القوي بما فيه الكفاية أمر بعيد المنال.
ستتم محاولة إعادة التوازن المقبل في سياق معدلات النمو التي لا تزال منخفضة جدا وتتسم بأنها شاملة بشكل غير كاف، الأمر الذي يزيد من مخاطر المزيد من الاستقطاب السياسي والخلل الوظيفي وحدوث خروج عن المسار الاقتصادي. حتى يتم التغلب على التحدي الأساسي المتمثل في توليد نمو شامل ومرتفع، ستكون عملية التطبيع لدى الاحتياطي الفيدرالي بعيدة كل البعد عن التلقائية وستبقى مخاطر عدم الاستقرار في السوق مرتفعة جدا لدرجة عدم القدرة على تجاهلها.