تحدثنا في المقالين السابقين عن العديد من الجوانب النظامية لتسبيب الأحكام القضائية، واستكمالا لما سبق، فإن تسبيب الأحكام يُعتبر شرطا من شروط صحتها، وخلوُ الحكم من التسبيب هو عيب شكلي يؤدي إلى بطلانه، لأن الأحكام يجب أن تشتمل على الأسباب التي بُنيت عليها وإلا كانت باطلة.
ويُعدُ الحكم مسببا عندما يشتملُ على الأسباب التي بُني عليها، حتى وإن كانت هذه الأسباب لا ترتكز على أسس ومبادئ شرعية ونظامية سليمة، بسبب خطأ القاضي في فهم واقع الدعوى، وبالتالي يترتب على ذلك مثلا عدم تقيُده بقواعد الإثبات وطرقه. وفي هذه الحالة يكون الحكم قابلا للطعن إذا توافرت شروطه على اعتبار أنه قد بُني على مخالفة أحكام الشريعة والنظام.
وقد أكدت الأنظمة السعودية على وجوب تسبيب الأحكام القضائية، ومن ذلك نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/١ ) وتاريخ 22/ 1/ 1435هـ، حيث نصت المادة (163) على أنه: «بعد قفل باب المرافعة والانتهاء إلى الحكم في القضية يجب تدوين الحكم في ضبط المرافعة مسبوقا بالأسباب التي بُني عليها، ثم يوقِع عليه القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في نظر القضية».
كما نصت المادة (164) من هذا النظام على أنه: «يُنطقُ بالحكمِ في جلسةٍ علنية بتلاوةِ منطوقه أو بتلاوة منطوقه مع أسبابه، ويجب أن يكون القضاة الذين اشتركوا في المداولة حاضرين تلاوة الحكم...».
وفي هذا الصدد، نصت كذلك المادة (166) من نظام المرافعات الشرعية على وجوب تسبيب الحكم القضائي، حيث نصت على أنه: «1/ تُصدِر المحكمة - خلال مدة لا تتجاوز عشرين يوما من تاريخ النطق بالحكم - صكا حاويا لخلاصة الدعوى، والجواب، والدفوع الصحيحة، وشهادة الشهود بلفظها وتزكيتها، وتحليف الأيمان، وأسماء القضاة الذين اشتركوا في الحكم، وأسماء الخصوم ووكلائهم، وأسماء الشهود، واسم المحكمة التي نظرت الدعوى أمامها، وعدد ضبط الدعوى، وتاريخ ضبطها، وأسباب الحكم ونصه، وتاريخ النطق به، مع حذف الحشو والجمل المكررة التي لا تأثير لها في الحكم، ثم يوقِع عليه ويختمه القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في الحكم...».
كما نص على وجوب تسبيب الحكم القضائي نظام المرافعات أمام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ ٣) وتاريخ ٢٢/ ١/ ١٤٣٥هـ، حيث نصت المادة (27) على أنه: «يجب أن يُبين في نسخة الحكم المحكمة التي أصدرته، ومكانها، وتاريخ إصداره، وما إذا كان صادرا في دعوى إدارية أو تأديبية، والدائرة وقضاتها، واسم ممثل الادعاء وطلباته، وأسماء أطراف الدعوى وصفاتهم، وموطن كلٍ منهم وحضورهم أو غيابهم، وأسماء ممثليهم. ويجب أيضا أن تشمل نسخة الحكم عرضا مجملا لوقائع الدعوى، ثم طلبات أطراف الدعوى وملخصا وافيا لدفوعهم ودفاعهم الجوهري، ثم أسباب الحكم ومنطوقه، ويجب كذلك أن تشمل نسخة الحكم الصادر بالتفسير بيانات الحكم المُفسر...».
وأكد على وجوب تسبيب الحكم القضائي أيضا نظامُ الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/2) وتاريخ 22 /1 1435هـ، حيث نصت المادة (181) على أنه: «2/ تُصدر المحكمة بعد الحكم صكا مشتملا على اسمِ المحكمة التي أصدرت الحكم، وتاريخِ إصداره، وأسماءِ القضاة، وأسماءِ الخصوم، ووكلائهم، وأسماءِ الشهود، والجريمةِ موضوع الدعوى، وملخصٍ لما قدمه الخصوم من طلبات، أو دفاع، وما أُستند إليه من الأدلة والحجج، وخلاصة الدعوى، وعددِ ضبط الدعوى، وتاريخِ ضبطها، ثم أسبابِ الحكم ونصِه ومستنده الشرعي، ثم يوقِع عليه ويختمه القاضي أو القضاة الذين اشتركوا في الحكم».
وبناء على ما سبق فإن تسبيب الأحكام مطلب شرعي ونظامي لتحقيق العدل الذي هو مقصد مهم من مقاصد الشريعة السمحة، والقضاةُ في المملكة العربية السعودية حريصون وملتزمون باتباع القواعد الشرعية في تسبيب الأحكام التي يصدرونها، لأنه هو السبيل إلى الوصول إلى أحكام قضائية صائبة، لإحقاق الحقِ ورفع الظلم وتحقيق العدالة بين الخصوم.
وختاما نرى أن المشرِع السعودي قد حرص على تضمين الأنظمة السعودية جميع القواعدِ المستمدة من الشريعة، ونرى كذلك أن المجلس الأعلى للقضاء يتابع هذه الجوانب بشكل مستمرٍ ويصدر تعليماته إلى أصحاب الفضيلة القضاة بضرورة تسبيب الأحكام التي تصدرها المحاكم.