يوم الأحد الماضي وبحضور معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي كان فرصة لأن نطلع على حجم الجهد الذي بذله معالي الوزير وزملاؤه لإنجاز تحول الوزارة إلى حقبة التعاملات الإلكترونية. ففي مقر وكالة الأنباء السعودية، أطلقت الوزارة خدماتها الإلكترونية الجديدة.
ما رأيناه، هو فعلا نقلة نوعية تواكب توجه الحكومة واهتمامها بضرورة الإسراع في تقديم الخدمات الإلكترونية لرفع كفاءة الأداء الحكومي، وأيضا وهو المهم، حتى تسهل على الناس الحصول على الخدمات، تحقيقا للعدالة بينهم في تلقي المنافع والخدمات.
الذين يتعاملون مع الوزارة بشكل يومي، من ناشرين وموزعين، بدون شك سوف يلمسون الفرق في تطور الخدمة، وهؤلاء موزعون في مناطق المملكة المختلفة، لذا سوف توفر عليهم الخدمات الجديدة الكثير من الجهد والوقت.
أيضا المؤلفون سوف يجدون الفائدة من إطلاق هذه الخدمات، فسوف توفر لهم الآلية الإلكترونية سرعة فسح الكتب والمطبوعات، وفسح توزيعها في أسواقنا المفتوحة للآلاف من المطبوعات في مختلف المجالات، والسوق السعودي كما هو معروف يستوعب حصة كبيرة من الكتب والمطبوعات في العالم العربي، ويكفي أن نذكر- على سبيل المثال- أن ما يقارب 90 بالمائة مما يصدره الناشرون العرب سنويا يباع في معرض الكتاب في الرياض، وهذا باعتراف الناشرين أنفسهم ممن نلتقيهم في المعرض، أو ما يصرحون به في الإعلام، ويؤكدون أيضا أن جميع العناوين التي تقدم يتم فسحها، وما يتم رفضه لا يتجاوز العشرة بالمائة.
وهذه شهادة على ارتفاع سقف الحريات الفكرية، وقد أشرت إلى هذا في مقالات سابقة وأجدها فرصة لإعادة التأكيد عليه، لأنه من الأمور التي تفرحنا وتجعلنا أكثر فخرا واعتزازا في بلادنا، فالمناخات المريحة، وارتفاع سقف الثقة بالنفس لدينا، مجتمعا وحكومة، هي المغذي لتوسع مساحة حرية التعبير والفكر، ومشروع وزارة الثقافة الجديد يوسع مناخ الحرية هذا ويدعمه.
أيضا لدينا توسع في نشاط الفعاليات والمعارض الفنية، والنظام الجديد يتيح للمنظمين إصدار التراخيص للفعاليات في مختلف مناطق المملكة، والآن الوزارة في خطوتها هذه توسع تفاعلها مع المستفيدين من خدماتها وتضع على نفسها عبئا كبيرا لأنها مطالبة بالإنجاز السريع.
أيضا الخدمات الجديدة تضمنت آلية سهلة لرفع البلاغات عن المخالفات والتجاوزات الإعلامية، وهذا المسار سوف يتطلب من وسائل الإعلام، وكل العاملين في إنتاج المحتوى الإعلامي، الاستعداد للمزيد من الاحترافية والمهنية في تقديم المادة الإعلامية، وهذا في صالح الإعلام السعودي على المدى البعيد، إذ يدعم توجه المؤسسات والمنشآت الإعلامية لكي تكون ضمن منظومة صناعة متكاملة تحكمها كفاءة القيادة والإدارة، وكفاءة الرقابة والتشريع.
أيضا قطاع المال والأعمال سوف يستفيد من الخدمات الجديدة، فالمشروع الرقمي تضمن آلية سريعة لنشر الإعلانات في الجريدة الرسمية «أم القرى»، وهذه الآلية سوف تنهي المعاناة في هذا الجانب، فقد كانت الشكوى مستمرة من تأخر النشر وصعوبة التعاملات. الآن تيسر الخدمات طريقة طلب النشر والسداد، وهذه فرصة للوزارة لتوسيع المركز المالي للجريدة الرسمية مما يساعد على تطويرها وتنميتها.
ربما أجدها فرصة لدعوة الوزارة لاستثمار توجهات برنامج التحول الوطني لأن تقدم نموذجا جديدا في منظومة الإعلام السعودي عبر تحويل «جريدة أم القرى» لأن تكون نواة لـ «مؤسسة إعلامية وطنية خيرية» تدار على أسس ربحية، وربما تدعى المؤسسات الصحفية السعودية وشركات القطاع الخاص القريبة من طبيعة النشاط الإعلامي والإعلاني للمشاركة في هذا المشروع الوطني النوعي.
في ظل الأوضاع التي تواجهها صناعة الصحافة ربما تقل بشكل كبير مستقبلا المساحة المتاحة لمتابعة وإبراز الأنشطة والخدمات التي تقدمها الحكومة، فهذه طبقا لاعتبارات اقتصاديات الصحافة الربحية ربما لا تقدم محتوى جاذبا «يبيع» المنتج الإعلامي. في مثل أوضاعنا، سوف يبقى الإنفاق الحكومي لسنوات قادمة قاطرة التنمية ومحرك النشاط الاقتصادي، والحكومة ما زالت ملتزمة بالاستمرار بالإنفاق على الجوانب الحيوية التي تكرس الاستقرار الاجتماعي، أي إنها سوف تظل بحاجة ماسة إلى التواصل مع الناس. لذا الحكومة تحتاج وسيلة صحفية فعالة وقوية تربطها بالناس لإيصال برامجها ومشاريعها.
وزارة الثقافة والإعلام قدمت نقلة جديدة في خدماتها، والمشروع في بدايته، وبدون شك سوف يستفيد العاملون على هذا المشروع من ملاحظات واقتراحات المستفيدين من الخدمة، وسوف تتيح لهم هذه فرصة التحسين والتطوير. كل قطاع حكومي يتحرك في مسار الخدمات الإلكترونية، من واجبنا الوطني الاحتفاء والتقدير لجهوده، فالتحول الرقمي ضرورة إنسانية وحضارية واقتصادية ومن ضرورات تكريس الجبهة الداخلية، أنها مسار يكرس «العدالة» بين الناس، وخطوة وفاء للمؤسس العظيم الملك عبدالعزيز، يرحمه الله، الذي وضع تحقيق العدالة من ثوابت الدولة.