أكثر ما يَخلق الإشاعات ويزيد من وتيرتها اختفاء الأشياء فجأة، دون سابق انذار، ودون مسوغات أو مبررات أو أسباب، وهذا ما حدث واقعيا مع «مهرجان المسرح السعودي»، الذي علّق عليه مسرحيو المملكة آمالهم الكبيرة وتطلعاتهم العريضة، خصوصا بعد النجاح الكبير الذي تحقق لنسخته الرابعة، التي انعقدت في مارس من عام 2008م، حينها كانت العاصمة «الرياض» على موعد مع لحظة مسرحية سعودية استثنائية، اجتمع من أجلها المسرحيون السعوديون من كل أرجاء الوطن، ناثرين جمالهم الإبداعي على منصات مسرح مركز الملك فهد الثقافي، وقد ازدانت تلك الدورة أناقة وجمالا بحضور كوكبة من المسرحيين العرب، أثروا بتواجدهم هذه التظاهرة المسرحية السعودية المتميزة.
السؤال المباشر: أين ذهب هذا المهرجان؟ وأين توقفت أوراقه؟ ولماذا لم نعد نسمع عنه شيئا لا من قريب ولا من بعيد؟، من جهة ثانية، هل من الجائز التخلي عن مكتسباتنا بهذه الصورة دون أن نتحاور من حولها أو نناقش أسباب توقفها على أقل تقدير، فالذي أعلمه جيدا أن «مهرجان المسرح السعودي» كان نافذة مشرعة على إبداعات الشباب المسرحي السعودي، واطلالة أمل للقائهم وتعارفهم وصقل مواهبهم، كما اسهم بصورة ملحوظة في فتح مشاريع تعاون بينهم، فالمملكة كما يعلم الجميع مترامية الأطراف، مما يُسبب تباطؤ تبادل التجارب وتلاقح الخبرات بين بعضهم البعض، ومثل هذا المهرجان كان جسرا قويا في ايصال ما عجزت مساحات الجغرافيا عن ايصاله، من هنا تأتي أهمية أن يكون هذا المهرجان سانحة اللقاء للمسرحيين السعوديين، بحيث يقدمون نتاجهم المسرحي في تنافس شريف وتحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام، التي يتوجب عليها القيام بمثل هذا الدور أولا، وثانيا التصريح بشفافية عن أسباب توقف المهرجان كل هذه المدة، فقد زادت التكهنات ولم نرَ حتى اللحظة تصريحا واحدا من قبل الوزارة حيال ما يتردد في هذا الشأن.
كم يُصاب المسرحيون السعوديون بغصة حين يجوبون في كل عام أرجاء الوطن العربي ليشهدوا مهرجانات المسرح في الدول العربية الشقيقة، ويلاحظوا دورها وأهميتها في صناعة واقع مسرحي متجدد ومتنام، فالدول العربية وبنسبة 95% تتوفر على مهرجان مسرحي وطني شبه سنوي، تتكفل غالبا الوزارات أو المجالس الوطنية أو الهيئات المعنية بدعمه والإشراف عليه، وقد يدفعني المقام أن أعلنها مدوية أن مملكة البحرين كانت هي الدولة العربية الوحيدة التي تفتقد وجود مثل هذا المهرجان، إلا اننا في المملكة وبعد توقف مهرجان المسرح السعودي لحقنا بالبحرين وصرنا نفتقد مثل هذا المهرجان، وهنا تزداد المطالبة ويرتفع سقف الإلحاح لأن المهرجان مؤسس وموجود، وبالتالي فتوقفه يزيد من وجع اختفائه، على الأقل لكوننا لا نعرف سببا لهذا التوقف!!
حين نناشد وزارة الثقافة والإعلام بمثل هذا المطلب والتمني يكون ذلك على خلفية ما عايشناه في مسيرة المسرح السعودي، الذي بدأ يقدم نفسه بصورة لافتة، لاسيما في الآونة الأخيرة، حيث حقق قفزات وانجازات يشار إليها بالبنان، وصار المسرحي السعودي منافسا لا مجرد سد خانة، في كل المناسبات العربية التي يدعى إليها، ولكن ما مدى دراية المسؤول عن هذه المنجزات، وعن هذه الحركية الاستثنائية لدى شبابناّ، كي يضاعف الجهد في الدفع بعجلة إعادة مهرجان المسرح السعودي إلى سابق عهده، بل والقيام على تطويره وتوفير جل الإمكانات التي تكفل له النجاح، وتسهم في تحقيق أهدافه التي يتطلع إليها مسرحيونا!!