تستضيف البحرين اليوم وغدا، القمة الخليجية الـ37 لقادة وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي، يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهي القمة التي ستحظى باهتمام خليجي ودولي واسع، نظرا لحجم التحديات والتطورات المتسارعة التي تواجه دول المنطقة في الفترة الراهنة، فضلا عن طبيعة الملفات المتوقع طرحها للنقاش، والتي يقع على رأسها الخطوات الممكن اتخاذها للوصول إلى مرحلة الاتحاد الفعلي.
ويتواصل انعقاد هذه القمم منذ أن أرسى قادة دول المجلس في قمتهم الأولى عام 1981م، دعائم العمل المشترك، الذي كان من أبرز ثماره مواكبة تطلعات الشعوب الخليجية وتحقيق العديد من المنجزات. ولا شك أن قادة وزعماء دول المجلس بقيادة خادم الحرمين الشريفين وبفضل رؤيتهم الثاقبة ونهجهم المؤزر، سيحاولون بكل جهدهم توظيف القمة الـ37 في تلبية تطلعات المواطنين الخليجيين، بما يراعي استحقاقات المرحلة الراهنة التي تمر بها دول المجلس، لا سيما في مواجهة أية عقبات تواجه وحدة صفها وتماسكها الاجتماعي، أو تنال من أمن شعوبها واستقرار أوضاعها.
ولعل من بين أكثر القضايا التي ستكون على طاولة نقاشات القادة والزعماء الخليجيين في قمتهم المنتظرة بالمنامة ما يتعلق بملف الاتحاد والتكامل الشامل، وهو الملف الذي بات يفرض نفسه على الرأي العام الخليجي في هذه الفترة بالذات من أجل حل الكثير من المشكلات ومجابهة أعتى العقبات، خاصة مع تصاعد حدة التهديدات التي تحيط بالمجلس، وخطر النوايا العدوانية والأطماع التوسعية لبعض القوى الإقليمية التي تحاول مد نفوذها وفرض هيمنتها على دول المنطقة بطرق شتى.
ويعول قادة وأبناء دول التعاون على القمة لتعزيز مسيرة المجلس التكاملية في خضم عالم متلاطم الأجواء، خاصة عند النظر إلى ما تحقق من نتائج جوهرية في دورات القمم السابقة، ومثلت علامة فارقة في تاريخ المجلس ككل ووحدة شعوبه بشكل خاص، وفي ظل تطلعات الشعوب الخليجية بأسرها لتحقيق الإنجاز المنشود والحلم الكبير بإقرار مشروع الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد الخليجي.
وتنعقد القمة الخليجية الـ37 في توقيت بالغ الأهمية، لا سيما مع الأجواء المحيطة بالتطورات الإقليمية والعالمية المختلفة، وما أفرزته من تحديات ومخاطر، وربما فرص أيضا، تستوجب من الأشقاء الخليجيين سرعة التعاطي معها ومواجهتها وفق منطلق ثابت ورأي واحد، وهو ما يمثل أولوية قصوى في تبني موقف سياسي ودفاعي وأمني واقتصادي موحد في مواجهة خارطة من التهديدات المشتركة، التي لا تنتهي عند فوضى الحروب والصراعات، وتمتد للمستجدات والأوضاع الاقتصادية أيضا، وتحتم التعاطي معها برؤى ومواقف مغايرة.
وربما لذلك السبب تأتي أهمية المشاركة والحضور الدولي المصاحب لأعمال القمة الـ37 بالمنامة، حيث تشارك رئيسة الوزراء البريطانية بدعوة خاصة من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في القمة، وهو ما يضفي أهمية خاصة على أعمالها لما تمثله المملكة المتحدة من قوة دولية مؤثرة، كما أن «تيريزا ماي» تحل في أول زيارة لها للبحرين منذ توليها مهامها، وتعد زيارتها أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء بريطاني للمنطقة منذ زيارة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون لدولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر 2013، وهو ما سيتيح فرصة مناسبة للقاء والتشاور مع قادة دول التعاون.
وتم تحقيق عدد من الإنجازات التنسيقية والتنظيمية والتنفيذية في جانب التعاون الخليجي العسكري، الذي يمثل حائط الصد القوي لتأمين وحماية موارد دول المجلس وضمان مكتسبات شعوبها، ومن بين هذه الإنجازات إعداد الخطة الزمنية لتنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين ومحاور التكامل الدفاعي وإقرار النظام الجديد للجان العسكرية، ومواصلة العمل لإعداد الاستراتيجية الموحدة للأمن السيبراني لدول المجلس، ودراسة تنسيق شراء الأسلحة والمعدات والأجهزة وصنوف الذخائر وتوحيد المواصفات للمنظومات العسكرية.
يضاف إلى ذلك متابعة تنفيذ تمرين مراكز القيادة لقوات درع الجزيرة والاجتماعات التنسيقية له حيث تم تنفيذ تمرين مراكز القيادة «سهام الخليج» في أغسطس 2016م، واستكمال ما يتعلق بمركز العمليات البحري الموحد وقوة الواجب البحري الموحد 81، واستكمال ما يتعلق بمركز العمليات الجوي الموحد، وغير ذلك مما أسهم في تمتين أواصر التعاون العسكري بين دول التعاون وبعضها.
وتحظى قضية الأمن المشترك باهتمام قادة دول مجلس التعاون، ويشار إلى قيام جميع اللجان الأمنية المعنية في الأمانة العامة «الشؤون الأمنية» بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة كافة من قبل وزراء الداخلية والجهات المعنية بالدول الأعضاء، هذا فضلا عن نجاح أعمال التمرين التعبوي للأجهزة الأمنية بدول المجلس «أمن الخليج العربي 1» في مملكة البحرين لعام 2016م، وهو ما يعد إضافة لجملة من الإنجازات المهمة،؛ مثل تنفيذ أسبوع حرس الحدود وخفر السواحل لعام 2016م، تحت مسمى «اسأل قبل أن تبحر»، وجاهزية الشبكة الأمنية المؤمنة بين الأجهزة الأمنية كافة بوزارات الداخلية بدول المجلس، ونجاح مركز المعلومات الجنائية لمكافحة المخدرات بدول المجلس في إدارة العديد من العمليات النوعية والمؤثرة التي تحقق نتائج مهمة في صعيد المكافحة على مستوى دول المجلس.
يضاف إلى ذلك تعزيز التعاون الأمني من خلال ربط أجهزة الشرطة في دول مجلس التعاون وبناء شركات مع المنظمات الشرطية الإقليمية والدولية لضمان الفاعلية في مكافحة الجرائم، وتأسيس منظومة الاتصالات وقواعد بيانات جهاز الشرطة الخليجية، وتفعيل التنسيق بين وحدات اتصال جهاز الشرطة الخليجية بين وزارات الداخلية في دول المجلس، وبناء علاقات وشراكات تعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية «التعاون مع مركز الآسيان إبول، اليورو بول، الإنتربول ومكتب الأمم المتحدة للجريمة».
وتختلف قمة المنامة عن سابقاتها، ليس فقط على مستوى الطموحات والآمال التي تنعقد عليها، ولا لواقع الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لجهة محاولات زرع الفتن والتدخلات في شؤونها الداخلية وخطر امتدادات التوترات الإقليمية إلى قلبها.
وإنما بسبب ثقل التحديات والأعباء التي تقع على كاهل المجلس، حاليا ومستقبلا، باعتباره كيانا إقليميا يقع وسط تجمعات تنظيمية لم تعد تعترف بمنطق التعامل الفردي، ودور هذا الكيان المقدر والمطلوب عالميا في حلحلة وتسوية الكثير من القضايا والملفات، المحلية منها والإقليمية والدولية، وعلى رأسها: العمل الإنساني والإغاثي وأسعار أسواق النفط وجرائم التطرف والإرهاب.
يضاف إلى ذلك، تلك القضية المحورية التي تمثل أبرز نجاحات مجلس التعاون خلال العقود الثلاثة السابقة، وتتعلق باستمرارية دعم جهوده المبذولة نحو مزيد من الاندماج المجتمعي بين الشعوب الخليجية وبعضها، أو ما يشار إليه بالمواطنة الخليجية الكاملة، خاصة على الصعد الاجتماعية والإنسانية المختلفة، وعلى وجه التحديد في الوظائف والنشاط التجاري والتنقل، والتي تمثل بدورها مطلبا شعبيا ضروريا، الغرض منه دعم وتعزيز أواصر القربى وتحقيق مزيد من القوة والترابط والتلاحم الشعبي الخليجي في مواجهة المشكلات الكبرى التي تمر ليس فقط بالمنطقة، وإنما بالعالم أجمع.
إذن تأتي القمة الخليجية للإسهام في تحقيق المزيد من إنجازات العمل الخليجي المشترك، والعمل على وضع مجلس التعاون أمام مرحلة جديدة من مراحل التطور النوعي الكبير الذي ينتظره مواطنو دول المنطقة بأسرهم، والمضي قدما لتحقيقه أملا في بلوغ حلم الاتحاد والتكامل الشامل.