تمر على المرء مواقف مدهشة؛ لما يراه من حفظ الله لطفل أو طفلة أو أسرة من ابتلاءات الحياة وعقباتها؛ فيتأمل ذلك فيبرز أمامه صلاح الوالدين ودعواتهما للأولاد، فكم من ضيق مر فيه أحدهم فيجعل الله له مخرجا، وكم تعسير في رزق فييسره الله، وكم من أقدار مؤلمة صرفها الله بسبب ذلك، وشواهد ذلك في الواقع كثيرة، وأبرزها القرآن في قصة مؤثرة أثناء عرض الحوادث في سورة الكهف؛ فلقد أقام الخضر الجدار بصحبة موسى عليه السلام لكي يبقى قويا سنين عديدة حتى يبلغ الغلامان الأشد فيستخرجا كنزهما من تحت الجدار، والسبب الأكبر في الحفظ والرعاية اللتين أجراهما الله على يدي عبده الخضر، «صلاح الأب» الذي مات وخلفهما فأدرك صلاحُه أولادَه في الحياة ولذا قال الله تعالى: «وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك»، فكان أثر الحفظ للأولاد بسبب الأب رحمة من الله وفضلا.. وهذا يظهر عظم أثر صلاح الوالدين بحفظ حياة الأولاد وصلاحها، قال ابن عباس رضي الله عنه: حُفظا بصلاح أبويهما. وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء. قال محمد بن المنكدر رحمه الله: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده، وولد ولده وعترته، وعشيرته، وأهل دويرات حوله فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. قال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي. ثم يمضي الوالدان ويكبران ويودعان الأولاد ويموتان.. فيمتد أثر الصلاح بدعوة من الأولاد فتتساقط أوزارهما ويغفر لهما، بل ترفع درجاتهما فيسألان الله عن سبب ذلك؛ فتكون الاجابة دعوة أولادكما واستغفارهما، فعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرجلَ لترفعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ: أنَّىٰ ليَ هذا؟ فيقالُ: باستغفارِ ولدكِ لَكَ».صححه الألباني رحمه الله «صحيح الجامع الصغير» (1617). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولا يزال الولد الصالح يستغفر لأبيه، حتى يُغفر له، ثم ترفع درجته في الجنة» شرح الوصيةالصغرى(صـ131).
فإذا صلح الوالدان.. كان ذلك صمام أمان لحياة الأولاد.. وإذا ماتا وغادرا الحياة استمر معين الدعوات منهم يرفعهما درجات ويوصلهما مقامات عليا في الجنة وما ذلكم إلا بسب خفقات قلوب الأولاد ودعواتهم واستغفارهم.