هذا العام، مع إطلاق برنامج التوازن المالي، يستقبل الناس أمرا جديدا عليهم؛ مما يوسع دائرة السؤال حول احتمالات المستقبل بين شرائح عديدة من الناس. في السنوات الطويلة الماضية أغلبنا لم يتعود على التعامل مع تركيبة معقدة للإدارة المالية، فقد كان الإنفاق الحكومي يغطي أمورا عديدة، والدعم الحكومي الواسع للخدمات والسلع ظل لسنوات طويلة يشوه الاقتصاد ويخرب عادات الناس السلوكية، فولّد جيلا كاملا يعتقد أن الحكومة هي الراعية لكل شيء في حياته.. والأسوأ أنه اعتقد أن هذا سوف يدوم! وحتى الحكومة تقدم البرامج الجديدة وتجربتها محدودة في كيفية تقديم الآليات والضرورات المالية للناس. الآن اختلف الأمر في مناح عديدة للحياة، طرق إدارة الحكومات لن تكون كما تعودنا عليها وعرفناها، والقرن الحادي والعشرون يحمل ملامح ومتغيرات وتقاطع مصالح مختلفة تماما عما جرى في القرون الماضية، وهذا التيار المتدفق للتغيير الذي يجري بين أيدينا- وربما لا نراه لسرعته- لن يترك المجال مريحا للتفكير والتأمل وانتظار الإلهام لكي نتغير ونتطور، فـ«القوى الدافعة» للتغيير محليا وخارجيا أقوى من «قوى الممانعة»، والتجربة الإنسانية بكل مجالاتها أمام امتحان صعب ومؤلم، والناجون هم الذين لديهم الاستعداد والصبر لتحمل متاعب وألم التحول والتغير. برنامج التحول الوطني لن يتحقق وينجح بدون برنامج التوازن المالي، والآلام المصاحبة علينا تحملها الآن ولفترة قصيرة أفضل من ترحيلها للمستقبل، والمشاكل والتشوهات في اقتصادنا التي نعاني منها الآن تجمعت لأننا تأخرنا في إدخال البرامج الضرورية التي تنهي حالة الاقتصاد الريعي، والتأخر دائما يُراكِم المشاكل ويرفع تكلفة الحلول، وما يطرحه برنامج التوازن المالي في الأربع السنوات القادمة هو الدواء الضروري حتى ننجو ببلادنا من المخاطر، والأهم أن نكون في المسار الجديد الذي تتجه إليه الاقتصاديات المعاصرة، اقتصاديات المشاركة التي يتوقع أن تترك تغييرات عميقة تؤدي إلى اختفاء شركات وقطاعات.. وربما دول! إذًا الأزمات تنتج الحلول الصعبة، فعلى المستوى الاجتماعي ثمة حراك جميل ومفرح، فرغم حالات اليأس والخوف التي تلمسها من بعض الناس، هناك بوادر نقلة نوعية إيجابية لدى الجزء الأكبر الآخر من الناس بسبب «الصدمة المالية» التي أحدثها الواقع الجديد. لقد بدأنا نسمع القراءات والتحليلات المالية، وبدأنا نرى أصحاب المشاريع والمبادرات الاجتماعية التي صممت لتنمية السلوك الإيجابي للتعامل مع الحياة ومتطلبات الاستقرار المالي، الآن هذه القراءات والتحليلات تُسحب من الأدراج وتعاد لها الحياة. إحدى سيدات الأعمال التي أسست مؤسسة خيرية موجهة للتمكين والتدريب المالي للأسر المحسوبة على الطبقة المتوسطة وما فوقها قليلا وحتى أصحاب الثروات ممن لديهم الفوضى المالية، قبل سنوات لم تجد هذه السيدة من يتجاوب مع مشروعها من الناس، وكانت تستهدفهم حتى تساعدهم على الاستثمار الأمثل لمواردهم، وهي تقوم بذلك لأنها تؤمن بضرورة وجود مشروع وقاية وتحصين ضد العوز والحاجة ثم الفقر. الذين كانوا يمانعون ويتصدون في السابق، الآن يتصلون للبحث عن المساعدة وهذا مؤشر إيجابي على الاعتراف بالمشكلة، وهو يسهل النصف الآخر من الحل. الذي يعترف بالمشكلة يكون مستعدا للإصلاح والتغيير، والإيجابي أن الكثير من الناس لديهم الشجاعة للاعتراف بالمشكلة، المهم المبادرة إلى هؤلاء عبر مؤسسات المجتمع المدني لمساعدتهم. علينا المبادرة لاستثمار الصدمة المالية الحالية لتمرير برامج التوعية والتوجيه المالي والإداري الرشيدة التي تطلق الإبداعات للتحول والتغير الإيجابي للتعامل مع الحياة، وربما نتفق على أن «الحياه حلوة.. بس نفهمها».