هناك أسطورة قديمة تحكي عن شخص غريب وصل إلى بلدة تعاني من المجاعة، ولم يجد أحدًا يعطيه طعامًا، فهم لا يملكون سوى القليل وبالكاد يسد رمقهم وجوعهم، جلس هذا الغريب في وسط ساحة البلد، وأشعل نارًا ووضع فوقها إناءً معدنيًا كبيرًا ملأه بالماء، ثم أخرج حجرًا نظيفًا من حقيبته الحريرية الأنيقة ووضعه في الماء، وبعد قليل أخذ غرفةً من الماء ليتذوق «حساء الحجارة»، ثم قال: «ممم، إنه لذيذ! ولكن لو تمكنت من إضافة الكرنب إليه لأصبح رائعًا! سمعه أحد القرويين وكان معه ثمرة كرنب صغيرة جداً كان يدَّخرها لنفسه فوضعها في الإناء، استمر الرجل الغريب في تذوق الحساء مع التعليق على وجود شيء ناقص، ففي كل رشفة كان يذكر نوعًا من الخضراوات والأطعمة حتى ضم إلى الإناء لحمًا وجزرًا وقرعًا وبصلًا، وبعد الانتهاء من إعداد الحساء قام الغريب بمشاركة الجميع فيه، وتعجب سكان البلدة من روعة مذاقه، وعرضوا عليه شراء «الحجر السحري»!!
وماذا بعد؟
ترى كم منا يملك «حجرًا سحريًا، وكم منا يملك الوصفة السحرية لإعداد طعام يتذوقه الجميع ويستحسنون طعمه ومذاقه، والأعجب من هذا كله أنهم - دون أن يشعروا - يكونون قد ساهموا في إعداد هذه الوجبة الغذائية الغنية بكل عناصر الغذاء الذي يحتاجه الجسم.
«الحجر السحري» هنا لا يقتصر على هذه المادة الصلبة مع قليل من الماء وشيء من الخضراوات، إنه أعمق وأشمل، إنه شيء آخر يصلح أن يكون على أي صورةٍ كانت من صور الحياة إلا أن يكون في قدرٍ على نارٍ مشتعلة.
«الحجر السحري» هو الاستراتيجية التي تجعل أيًا منا يلعب دور صاحب الوصفة وليس الطاهي!
الوزير في وزارته، ومدير المدرسة في إدارته، والتاجر في متجره، والمرأة في مملكتها، فهنا نرى كيف تتمازج الخبرات مع من لا يملك الخبرة، فالمدير الذي يدخل إلى إدارته دون أن يملك نفس خبرات مديري الأقسام والمسئولين والموظفين، ليس عليه سوى شحذ الهمم، لا أن يستجدي تجارب موظفيه،، فقط عليه أن يأتي بجذوةٍ من النار ويضع عليها فكرته ثم يطلب من الكل أن يضيف عليها شيئا مما لديه من كنوز الثروة المعلوماتية والخبرة العملية والكتل المعرفية وكل ما يملك، وعليه أن يقوم بدور الماهر الذي عليه أن يحرك الحساء ويمزج الخليط ثم يعيده لهم في صورةٍ أنقى وأفضل وأكثر جودة، تماما كذاك البترول الخام الذي لا يخرج في تكوينه عن مزيج من الأنواع المختلفة للهيدروكربونات التي يجب فصلها لتحصل على البنزين الذي تتحرك به السيارات، وتحصل على زيوت التشحيم والكيروسين و و و و......... الخ.
إن من ضمن مهامك كقائد أن تعرف شخصيات فريقك وكل من يعمل تحت مظلتك حق المعرفة وتعمل على تحفيزهم بحسب طبيعة تلك الشخصيات وحثهم على الشعور بالثقة الكافية ليشاركوا في إعداد الحساء، وهذا شكل من أشكال البناء الهادف، لأنه قائم على تحفيز المشاركين، وأن كلَّ شخص يتذكر مشاركته، ولكن تبقى أنت «مركز الحدث»!