نستكمل بمقال هذا الأسبوع الحديث عن الذاكرة، بعد تعريف «نحن» الذي نقصد: وهي الهوية العربية الجامعة، التي أساسها المشترك الثقافي اللغوي وما يصحبه من بعد حضاري في التاريخ والجغرافيا، نتج عنه مشتركات توحد المصالح والرؤية لمصير واحد، بغرض مواجهة الدعوات الفئوية المستلبة للأطماع الغربية بالمنطقة.
أما الذاكرة، فلا يستقيم أن نتناولها دون الإشارة إلى أن كافة الأمم والثقافات والمجتمعات لا تمتلك ذاكرة واحدة، كون الذاكرة تعتمد على سردية تقوم بالانطلاق من لحظة زمنية معينة كحروب الاستقلال مثلا، ويرافقها خلق أساطير عن رموز محددين وصبغهم بصفات إيجابية يحملونها فعلا أو أن يتولى السياق مهمة تصويرهم كذلك: كالوطنية والتضحية والشهادة. ويرافق ذلك تخليد موسيقى وفنانين وشعراء وفلاسفة يتم إبرازهم ضمن السردية بأنهم جزء لا يتجزأ من ذاكرة الوطن. دون إغفال تعظيم مجموعة من الأماكن والمواقع بهدف توظيفها لاحقا لاستنهاض الهمم بالخطب الجماهيرية عند نوازل الاستحقاق الوطني، لما تحمله من رمزية تكونت بعد أن جعلت مصدرا لتكوين الهوية في الإعلام والتعليم والمنبر الديني.
هذه التركيبة لا توجد عبثا، وأيضا لا تسقط هبة على الأمم الطامحة للخلود ككيان قوي، بل يوجدها صناع التاريخ من الساسة والطبقة المثقفة المستشعرة لمسؤولياتها، ممن سنحت لهم الفرصة لتدوين رواية قيام تلك الأمة، بدافع استشعار أهمية المُخيلة الموحدة للجماعة الوطنية كأساس مصلحي لقيام النهضة والتنمية بدلا من الاقتتال والنزاع العبثي. وهذا الأمر دفع أمما تصنف حاليا بأنها متقدمة إلى طمس ما توافقوا على عدم جدوى بعثه من قصص وروايات.
وهنا نسأل: هل من الصعب أن تتحول الذاكرة العربية من سرديات تحويها كتب التراث والأدب والسيرة إلى وثيقة قانونية حضارية جامعة لبناء المجتمعات والمحافظة على تمسكها؟ نبحث ذلك بالمقال القادم.