تصنف إسبانيا كدولة متقدمة، ورغم ذلك فإنها تواجه أزمة حادة في سوق العمل، حيث تجاوزت نسبة البطالة فيها 20%. هذا الرقم يعتبر مرتفعًا حتى عند مقارنته بالدول الأوروبية التي تواجه أزمات اقتصادية مثل إيطاليا والبرتغال، حيث تبلغ نسبة البطالة في إيطاليا 11% والبرتغال 12%. ارتفاع البطالة في إسبانيا لا يرتبط فقط بالأزمة الاقتصادية التي تواجهها دول أوروبا بعد 2008، فأزمة البطالة هي سمة قديمة للاقتصاد الإسباني لأكثر من 40 سنة. يربط الاقتصاديون هذا الارتفاع في مستويات البطالة في إسبانيا بقوانين العمل غير المرنة التي ترفع كلفة الاستغناء عن الموظفين. فارتفاع كلفة فصل الموظفين جعل الشركات تتردد في التوظيف لتجنب التكاليف المرتفعة في حالة اضطرارهم إلى الاستغناء عن الموظف. وبدل أن تكون هذه القوانين وسيلة لحماية الموظفين تحولت إلى سبب رئيسي في رفع البطالة. فهل نحن نقتفي أثرهم؟
تزايدت مؤخرا أخبار الفصل الجماعي للموظفين السعوديين، مما أثار موجات غضب في وسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب ذلك أصدر وزير العمل قرارًا وزاريًا يحظر على المنشآت فصل السعوديين بشكل جماعي. إلا إذا أشهرت المنشأة إفلاسها أو إغلاقها بشكل نهائي أو إذا أخطرت المنشأة وزارة العمل عن نيتها بالفصل، وتوضيح مبررات الفصل، لتقوم الوزارة بعد ذلك بدراسة الإخطار وإعطاء القرار بالموافقة على الفصل من عدمه. ليس من الواضح حتى الآن كيف سيتم تطبيق القانون. أو أن هناك نية حقيقية لتطبيقه بحذافيره، لأنه عند قراءة التفاصيل، يمكن الاستنتاج أن الاستغناء عن الموظفين السعوديين سيكون أقرب للمستحيل.
يواجه القطاع الخاص اليوم ظروفًا استثنائية، فانخفاض أسعار النفط أدى إلى انخفاض حجم الاستثمار الحكومي بأكثر من 300 مليار ريال، والقوة الشرائية للمواطنين انخفضت بشكل حاد، وانخفضت معها مبيعات قطاعات كثيرة بأكثر من 30%، كما أن القرارات المتعلقة ببرنامج التوازن المالي سترفع التكاليف على القطاع الخاص كما سترفع الأعباء على السكان، مما يعني انخفاضًا أكبر في الاستهلاك وبالتالي انخفاضا في مبيعات القطاع الخاص. هذه الظروف ستؤدي حتما إلى خروج كثير من منشآت القطاع الخاص غير القادرة على إصلاح هيكل تكاليفها وبالتالي إغلاق أبوابها، ومن يستطيع الاستمرار فبقاؤه مرهون بتغيير هيكل تكاليفه من خلال تقليص الموظفين ورفع الكفاءة. بالتالي فمن الطبيعي أن تكون هناك موجة استثنائية من الاستغناء عن الموظفين سواء السعوديين أو غير السعوديين. لذلك فإن منع المنشآت من فصل السعوديين، لن يؤدي إلى حماية وظائف السعوديين، ولكنه سيؤدي إلى إفلاس منشآت كانت قادرة على الاستمرار وربما خلق وظائف للسعوديين في المستقبل، ولكنها ستفلس بسبب عدم قدرتها على تقليل تكاليفها. كما أن هذا القرار سيدفع القطاع الخاص القادر على توظيف السعوديين إلى إيقاف التوظيف بشكل كلّي.
في خضم هذه الظروف، لا يمكن تحميل القطاع الخاص مسؤولية الرعاية الاجتماعية للمتضررين من الوضع الاقتصادي، فهذه مسؤولية الدولة. فهي المسؤولة عن توفير شبكة أمان للمواطنين تقلل الألم عن المتضررين. ومسؤوليتها أن تهيئ الأرضية الاقتصادية المناسبة للقطاع الخاص لينمو، فنموه هو الذي سيخلق وظائف السعوديين في المستقبل.
المنشآت الوحيدة التي يمكن استثناؤها، والتي يجب أن تستمر الوزارة في منعها عن فصل السعوديين، هي التي كانت تتمتع بوضع احتكاري رفع أرباحها إلى مستويات فلكية، مثل قطاع البنوك والاسمنت والبتروكيماويات. فمثلما سمحت الدولة لهم باحتكار السوق ومراكمة عشرات المليارات من الأرباح، فإن من حق الدولة اليوم أن تطالبهم بتحمل مسؤوليتهم، ومنعهم من فصل السعوديين، أو إجبارهم على دفع تعويضات مرتفعة لكل موظف يتم فصله.
ما يجب على الحكومة فعله للتعامل مع الأزمة هو تطوير نظام ساند لدعم المواطنين الذين فقدوا وظائفهم وذلك بتمديد مدة الدعم من سنة واحدة إلى سنتين أو أكثر. كما يجب رفع نسب التوطين في المنشآت حتى تضطر المنشآت إلى الاستغناء عن العمالة الوافدة أولا، بالإضافة إلى إيقاف أي استقدام جديد، فعدد العمالة الوافدة أكبر بكثير مما نحتاجه، ومن غير المنطقي أن تستمر أعدادهم في التزايد رغم تقلص الاقتصاد وانخفاض عدد وظائف السعوديين.
أكبر خطأ يمكن أن نرتكبه اليوم هو أن تدفعنا الظروف الحالية إلى اتخاذ قرارات تكرّس التشوهات الاقتصادية وتقلل من فرص نجاحنا في مرحلة التحول الاقتصادي التي نمر بها.