في عام 1420 صدر أمر ملكي بإنشاء وزارة الخدمة المدنية لتحل محل الديوان العام للخدمة المدنية، ومع التطورات السريعة فيما يخص العنصر البشري لم نجد مواكبة فعالة لتلك التطورات من خلال مبادرات وزارة الخدمة المدنية في السنوات السابقة، فبعض الأنظمة واللوائح استمرت لسنوات عديدة دون أي تحديث ما أدى لضعف تطوير الكوادر البشرية في القطاع العام. ومنذ تعيين معالي الوزير خالد العرج كوزير للخدمة المدنية كانت منهجيته واضحة في تغيير المفهوم للدور الحقيقي لتطبيق ممارسات الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية والذي كان محدوداً جدأ كدور روتيني لعمليات شؤون الموظفين لا أكثر.
في أي منظمة لا يمكن أن يكون رأسها سواء كان رئيساً أم وزيراً هو المفتاح الوحيد لنجاحها وتحقيق أهدافها أو تطويرها، وأثبت العديد من الدراسات والتجارب على أرض الواقع أن نجاح أي منظمة يتعلق دائماً بنجاح الصفين الثاني والثالث فيها، وباطلاعنا على القطاع العام نجد أن تطوير الكوادر البشرية ضعيف جداً، فتحركات الصفوف الثانية والثالثة وحتى الرابعة يكون أشبه بالمستحيل لأسباب عديدة، من أهمها عدم الجاهزية للترقيات والانتقال إلى مناصب أعلى أو بشكل أفقي في الهيكل التنظيمي للجهة، وهذا الواقع يعكس دوراً كبيراً في عدم وجود تطوير حقيقي بسبب غياب الدور الفعلي لشاغلي تلك الصفوف، وذلك يؤدي إلى قتل الإبداع في الصفوف التالية مما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين.
قبل ما يقارب العام جاءت موافقة خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- على إطلاق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية، وذلك انطلاقاً من حرص القيادة على رفع جودة أداء وإنتاجية الموارد البشرية بالمملكة بما فيها إعداد وبناء القادة. ومن أهم الأدوار التي سيقوم بها البرنامج العمل على تأسيس إدارات متخصصة في ممارسات وإستراتيجيات الموارد البشرية بالإضافة لمراجعة الأنظمة واللوائح الداخلية لتهيئة البيئة الإدارية بالمملكة للانتقال إلى المفهوم الصحيح لخدمات الموارد البشرية بدلاً من شؤون الموظفين، وتوفير القوى البشرية المؤهلة لأداء الأعمال المناطة بها وإعادة دراسة الهياكل التنظيمية والنماذج والإجراءات في الأجهزة الحكومية.
من منطلق التطوير المستمر وانسجاماً مع «رؤية المملكة 2030» والتي تندرج تحتها برامج هامة متعلقة بإعادة هيكلة العمل الحكومي وتعزيز حوكمته نجد أن هناك إعادة هيكلة مستمرة ومرونة عالية في إعادة هيكلة العمل الحكومي لإلغاء الأدوار المتكررة وتحديد الاختصاصات بشكل واضح بالإضافة لتفعيل مبادرة رفع كفاءة الإنفاق باستغلال الموارد المالية بالشكل الأمثل، وفِي الفترة السابقة كانت هناك أوامر ملكية شملت إعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة الحكومية، ولا يعني ذلك ان إعادة الهيكلة انتهت على الوضع الحالي، فالمرحلة التالية من وجهة نظري الشخصية سيتخللها تغييرات جذرية إضافية في هيكلة العمل الحكومي لتسريع عملية وضع الإستراتيجيات ورفع كفاءة الأداء وتسريع الإجراءات وعملية اتخاذ القرار، وهذا الأمر مهم جداً وداعم أساسي للنقلة النوعية التي تعمل عليها الحكومة حتى نصل لأعلى درجات تحقيق الرؤية.
بعد إتمام تطبيق مراحل برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية على جميع الجهات الحكومية نجد أن دور وزارة الخدمة المدنية سيتقلص بشكل كبير، فالدور الذي سيقوم به البرنامج سيغطي بنسبة كبيرة دور الوزارة وبشكل فعال وذلك بعد الارتباط المباشر لإدارة الموارد البشرية في الجهة الحكومية بالمسؤول الأول للجهة، وهذا التنظيم سيعزز تطوير العمل الحكومي تماشياً مع رؤية المملكة. والمهم في هذا البرنامج أن تكون الصلاحيات كاملة لإدارات الموارد البشرية مما يخلق تنافس صحي وقوي بين الجهات الحكومية لتطوير رأس مالها البشري وفقاً للمفاهيم الحديثة وأفضل الممارسات والمعايير العالمية المطبقة في مجال إدارة الموارد البشرية.
وجهة نظري الشخصية أن المرحلة التالية من المهم أن تشهد إعادة هيكلة تخص وزارة الخدمة المدنية حتى لا يكون هناك تكرار للأدوار بين الجهات مما ينتج عنه بطء في عملية اتخاذ القرارات، فالدور المتبقي للوزارة بعد تطبيق برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية يعتبر محدودا جداً ولا يستدعي وجود وزارة كاملة للقيام به خصوصاً بعد التوجه للمعاملات الإلكترونية، وهذا التوجه يعتبر خطوة هامة خصوصاً في توجه خفض التكاليف المالية والتشغيلية، وسيلعب هذا التوجه دوراً هاماً في تطوير الإجراءات الإدارية الداخلية للجهات الحكومية الأخرى وبمرونة عالية، ومن خلاله سيتم الاستفادة من موظفي الوزارة الحاليين وذلك بنقلهم للعمل في جهات أخرى لاكتساب خبرات أوسع من خلال برنامج تدوير الموظفين الذي أعلنت عنه الوزارة في وقت سابق.
ختاماً، إعادة الهيكلة لأي منظمة لا يعني وجود خلل فيها، ولكن لكل مرحلة ظروفها التي تستدعي اتخاذ إجراءات معينة وذلك للاستفادة القصوى من التغيير حتى يكون هناك دعم لتحقيق الأهداف المرسومة.