أمر مُثبت أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي مرتكز النشاط الاقتصادي في الدول ذات الاقتصاد المُنتج المتعدد والمتنوع، بما في ذلك أفضل اقتصادات العالم أداء كدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. في مجموعة العشرين، التي نحن عضو فيها، لكن بين اقتصادنا واقتصادات بقية دول المجموعة شُقة واسعة فيما يتصل بمساهمة تلك المنشآت في الاقتصاد من جهة وفيما يتصل بما تحظى به تلك المنشآت من دعم ومؤازرة حكومية من جهة أخرى، ولا سيما إتاحة التمويل واقتسام المخاطر وسداد المستحقات. فنحن - حتى الآن - نقدم «خدمة شفهية»، كما يقول الانجليز، أي دعم باللسان يقصر عن أن يكون دعما ملموسا يُزيل أسباب انحسار دور تلك المنشآت في اقتصادنا السعودي. أما الجديد فهو أن الرؤية صدرت في أبريل 2016 واتخذت موقفا محددا من المنشآت الصغيرة والمتوسطة. أطلقت الرؤية 2030 هدفا محددا لزيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20 بالمائة إلى 35 بالمائة. وهذا طموح كبير يتطلب تعديل وإطلاق العديد من السياسات والبرامج والمبادرات، ليصبح للمنشآت المجهرية والصغيرة حيزا في اقتصادنا، الذي يتقاسم فيه الفرص فئة قليلة من المنشآت الكبيرة والهائلة الكبر. وهذه الفئة القليلة تنفرد كل منها بمكاسبها، تسعى كل منها أن تكتفي ذاتيا عما حولها قدر الإمكان، فتنشئ شركات تملكها كليا أو جزئيا، وتستورد جُل ما تحتاجه من عمالة وتقنية ومواد من الخارج في حين أن جُل مبيعاتها للداخل وتستفيد من فرص التمويل والمزايا الحكومية الأخرى!
لما تقدم، نجد أننا نعاني من تدني نسبة المحتوى المحلي في صناعاتنا إجمالا، وسنبقى كذلك ما دمنا نمنح هذه المنشآت «خدمة شفوية» وتصفيقا مُجردا من الدعم الملموس المتسارع الوتيرة. وما دامت خارج «دوحة» التكامل مع المنشآت المتوسطة والكبيرة والهائلة الكبر، فدور المنشآت الصغيرة (مقارنة بالعديد من الاقتصادات الناشئة) سيبقى ضامرا، من حيث تداخلها في ثنايا الاقتصاد عبر تكاملها من المنشآت الأكبر، إعمالا لمبدأ التخصص بما يعزز ميزتها التنافسية، ويجعل المنشآت الأكبر تعتمد عليها اعتمادا إستراتيجيا لإنجاز مهام محورية أو تصنيع قطع أساسية.
دعم المنشآت الصغيرة، ليس دعما بالمعنى التقليدي بل هو استثمار لاستكشاف ثروات ذات عائد مجز للاقتصاد، وأعدد هنا ثلاثة ينابيع:
1) هي عنصر حرج الأهمية لاقتصادنا، إذ إن المنشآت المجهرية والصغيرة والمتوسطة تولد عددا هائلا من فرص العمل بما يمنح اقتصادنا القدرة على توظيف شبابنا وفتياتنا. 2) تلك المنشآت نشطة في كل القطاعات والمفاصل الاقتصادية بما يساهم في تحقيق عنصر ثان حرج الأهمية لنا وهو التنويع الاقتصادي. 3) أنها تساهم في تحقيق عنصر ثالث حرج الأهمية لاقتصادنا السعودي وهو إفراز واحتضان فرص استثمار للرياديين الجدد.
ومؤخرا حددت هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة المنشآت، فالمنشآت متناهية الصغر هي التي تضم 1-5 عمال أو مبيعات لا تزيد على 3 ملايين، المنشآت الصغيرة فهي التي تضم عمالة من ٦ إلى ٤٩ أو مبيعات أكثر من ٣ ملايين وأقل من ٥٠ مليونا، أما المنشآت المتوسطة فهي التي تضم عمالة من ٥٠ الى ٢٤٩ أو مبيعات من ٥٠ مليونا وأقل من ٢٠٠ مليون.
لا بد من الإقرار بأننا نخطو خطوات متتابعة لتصبح المنشآت الصغيرة قادرة على الاستمرار في اقتصادنا، بان تحصل منه على البيئة المُرحبة وعلى ضمانة بألا تتعرض لـ«الدهس» من قبل المنشآت الكبرى. الآن نحن نفتح صفحة جديدة مع احتضان «الرؤية» من خلال ما تعوله على المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فما الذي سيحدث؟ وكيف؟ ومتى؟ إذ إن تحقيق الهدف مهمة عملاقة، في ظل وجود القليل من المنافسة ومن الترابط والتكامل بين المنشآت الصغيرة والكبيرة، إذ تجد أن بعض المنشآت الكبيرة لدينا تقوم على نموذج الاستحواذ على حلقات القيمة في النشاط ككل، فتجدها تستورد وتصنع وتصدر وتقوم هي بالأعمال اللوجستية، بما لا يدع مجالا لأي منشأة أخرى لتساهم أو تنافس. هنا يقبع الدور الرئيس لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، أن تفسح لهذه المنشآت مجالا حتى يتسع دورها في الاقتصاد المحلي.