لا شك أن منظمة الأمم المتحدة عندما أطلقت سُنتها الدولية المشروعة (سفير للنوايا الحسنة) كانت كالكبير الذي علم الباقين فن السحر، حيث تجد اليوم الكثير من منظمات المجتمع الدولي تقوم بتعيين عدد من الشخصيات العامة صاحبة التأثير وتمنحهم هذا اللقب المعنوي والذي يقومون من خلاله بعدد من الأنشطة والمبادرات المجتمعية التي تأخذ شكلا تطوعيا وتنمويا على حد سواء، ويقومون في هذا النشاط بتحقيق استراتيجيات الجهات الدولية أو المحلية التي منحتهم هذا اللقب، من هذه الجهات العالمية التي انتهجت الديدن الذي سارت عليه الأمم المتحدة كل من: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، صندوق الأمم المتحدة للسكان، مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، صندوق الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف)، منظمة الأمم المتحدة للإنماء الصناعي (يونيدو)، صندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة (يونيفيم)، منظمة الصحة العالمية (WHO)، واليوم تجد الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في دول الخليج العربي حذت نفس الحذو، وأعتقد أن هذه الموضة العالمية ستتفشى محليا شيئا فشئيا وستصبح موضة جديدة تنتهجها ادارات العلاقات العامة والاتصالات في هذه الجهات من أجل زيادة التأثير.
إن مهمة السفير الفخري مهمة أخلاقية بنائية بحتة، ورُغم أننا نستسهل ادخال الموضات العالمية في إطاراتنا المحلية الخاصة إلا أننا يجب أن ندرك أولا أن هذا اللقب التكليفي لا التشريفي له أبعاد خاصة يجب على حامله أن يمتثل بها، وإلا ينفض عن نفسه وهم اللقب، فهو شرف غير مستحق إن لم يكن يتبعه ويواليه عدد من المبادرات والأنشطة التي تصُب في المنفعة العامة وتحقيق التأثير الايجابي، فالمهمة قطعا ليست مهمة دبلوماسية أو سياسية إنما هي على الوجه المغاير في التصور، فهي تتطلب الكثير من الجهود الميدانية مع الحشود الحقيقية أو الافتراضية، خاصة أن تكنيك هذا اللقب يتمثل في استخدام (فرد) ذي تأثير اجتماعي، إنساني، اقتصادي لتحقيق الأهداف الإنسانية والانمائية التي تهدف إليها المؤسسة المانحة، وربما كان الغرض من استخدام المشاهير أو أصحاب التأثير المميز عبر منصات التواصل الاجتماعي، يعود إلى أن شهرتهم تُساهم في نشر الوعي والدعم تجاه هذه القضايا.
ورُغم أني شخصيا من المؤمنين أن الألقاب والمسميات لها دور كبير في النسيج الاجتماعي لأي دولة، حيثُ انها تقوم بعكس تركيبة المجتمع ويحقق له البناء المجتمعي القائم على القدرات الشخصية المقننة، وبرُغم ذلك الإيمان إلا أنهُ لا غضاضة في أن عشوائية الألقاب المعنوية تقوم بهدم البنية الأساسية للمجتمعات وتقوم بتشكيل خلل جذري يؤثر حتما على نمو المجتمع الذي لا ينهض فقط على هذه المسميات الفارغة إنما يقوم من خلال الشخصيات التي أعطت لألقابها تشريفا حقيقيا ما أدى بها إلى تحقيق الموضوعية والمصداقية عند جمهور المتابعين أو المتأثرين وإلا فالعكس وارد جدا، فإذا احتمت الشخصيات التي تحمل لقب (سفير فخري) وراء بريق هذا المسمى لكانت سِقطة حقيقية لهم أمام جمهورهم المتابع والمتأثر، فهم كما انبهروا بجمال التتويج في هذا المنصب فهم يترقبون العمل والنشاط الذي سيؤدى بعد ذلك.
وبالمطلق، فإن الوقوف الدائم على جمال المسميات دون تنفيذ للمشاريع الدينامية المجتمعية التي يتطلبها اللقب المعنوي التشريفي ستفضي إلى تدني جودة هؤلاء الأفراد من خلال الاستهانة بالقيم والمعايير والحصول على ميزات تشريفية دون بذل أي مجهود، وقس على ذلك غيرها من الأمراض الاجتماعية والنفسية الأخرى.
غاستون باشلار هو أحد أعمدة التفكير البشري، حينما استفسر صحفي أراد محاورته، بداية عن الصيغة التي يفضل مخاطبته بها طيلة الحوار، هل يستعمل: الأستاذ أم السيد غاستون باشلار، فلم يتردد فيلسوف العلم والأدب كي يجيبه: (لا، لا، أرجوك غاستون فقط)، وإني أخشى حقيقة أن تصبح هذه الألقاب مثل اللعبة التي تتطاير عبثا يُمنة ويُسرة دون أي استحقاق موضوعي أو نتيجة لاحقة، ويصبح مع الأيام لقب (السفير الفخري) وما يوازيه في المعنى الدلالي من أعتى ألقاب الوجاهة الاجتماعية التي يبذل في سبيلها مؤثرو المجتمع ومؤثرو منصات التواصل الاجتماعي الغالي والنفيس، فالأمر يتعدى اللقب لما وراء اللقب بكثير!