عندما تنثر البذور في حدائق الموظفين تجد الثمار في سلال العملاء والمستفيدين، هذه العبارة تصف العلاقة الطردية بين بيئة العمل المحفزة وانعكاسها على الإنتاجية الفردية والمؤسسية وأثرها على رضا المتعاملين وتحقيق النتائج والأرباح. ووفق ما نشرته مؤسسة شعاع في نشرة علاقات، هناك عدة مؤشرات على ضعف بيئة العمل تكمن في كثرة غياب الموظفين عن العمل وعن مناسبات المنظمة، وتسربهم إلى مؤسسات أخرى بالإضافة إلى الصراعات الشخصية وكثرة شكاوى العملاء ورفض العمل الإضافي. عزيزي المدير... عندما تجد هذه المؤشرات فاعلم أن مؤسستك في خطر.
موضوع اليوم يتناول الحديث عن شركة عريقة تعمل في مجال الاستشارات الإدارية تجاوز عمرها الأربعين عاما من النجاح والإنجاز في بيئة جاذبة تم تصنيفها من Glassdoor كأفضل بيئة عمل لتسع سنوات متتالية، هذه الشركة هي Bain & Company. آمنت شركة «بين» أن الاستثمار الحقيقي هو في رأس المال البشري وأن النجاح لا يأتي إلا من خلال الموظفين، وسعادتهم في بيئة العمل تنعكس إيجابا على عملائها، لذا يحرص قادة الشركة على اختيار الموظفين بعناية فائقة ويقدمون لهم تدريبًا نوعيًا عبر برنامج تعاوني عالمي في دول مختلفة تتمازج فيه الخبرات إيمانا منهم بأهمية التعليم المستمر، ليس ذلك فحسب بل تقود الشركة موظفيها وترشدهم خلال رحلة العمل عبر المرجعيات الخبيرة لديها وتضع الثقة المطلقة فيهم بهدف تحقيق قصص النجاح الفردية وتعزيز الشغف الوظيفي لديهم، بالإضافة إلى دعمهم بكافة المقومات والتجهيزات التي تعينهم على إنجاز المهام.
ونظرا لكثافة حجم العمل لدى الشركة جعلت سياسة المرح سمة رئيسة لتخفيف الضغوط النفسية على موظفيها معززة في ذلك العلاقات الشخصية وروح الأسرة الواحدة بين فريقها والتي تجاوزت أسوار الشركة حتى أصبحت صداقات ممتدة مدى الحياة جوهرها التعاون الأخوي وليس التنافس الندي، حيث تقول الشركة «إننا نعمل بجهد كبير ولكن لا نأخذ أنفسنا على محمل الجد، بل نستمتع كثيرًا ونضحك كثيرًا وخاصة على أنفسنا». كما صممت «بين» مقرها في إحدى ناطحات السحاب الأمريكية بأسلوب عصري ترفيهي تميزت فيه أماكن العمل وخصصت فيه غرفًا للاسترخاء وأخرى للنوم القصير من أجل تجديد الحيوية والعطاء أطلقت عليها غرفة ألوان الطيف. إضافة لذلك تعقد الشركة بعد نهاية ساعات العمل البرامج الترفيهية والرياضية والاجتماعية المتعددة بهدف الترويح وتوطيد الروابط بين منسوبيها، حيث واكبت شغفهم برياضة كرة القدم من خلال إقامة دوري رياضي شهير أطلقت عليه دوري بين العالمي لكرة القدم. أما أوقات العمل الرسمية فهي مرنة للغاية وفق الظروف الشخصية للموظفين، إذ تقوم الشركة بتعديلها وبرمجتها بما يحقق الإنجاز ويتلاءم مع المستجدات في حياة الموظف وتتيح العمل لهم من المنزل في بعض الأحيان.
تقدم الشركة كافة التسهيلات للأمهات العاملات لديها بما يحقق التوازن في أدوارهن الحياتية، حيث تسمح لهن على سبيل المثال بالتأخر الصباحي لرعاية أطفالهن وإيصالهم للمدارس دون عقد اجتماعات رسمية مبكرة تقديرا لواجباتهن الأسرية، هذه الخدمات النوعية وضعت بين ضمن أفضل 100 شركة للأمهات العاملات وذلك لتسع سنوات متتالية.
ويقينا من الشركة بدور المرأة في تحقيق الفارق فقد وظفت فريقا نسائيا يتجاوز 45% من عدد منسوبيها وحرصت على تكافؤ الفرص بينهم والمساواة في الحوافز والمميزات والدعم مما جعلها تفوز أيضا بجائزة منظمة حقوق الإنسان كأفضل بيئة عمل لعدة دورات. هذه المميزات الوظيفية تجاوزت الأربعين حافزًا شملت التأمين الشامل للموظفين والرعاية الصحية للأسرة والأطفال وكذلك العائد من نسبة الأرباح السنوية والوجبات المجانية أثناء العمل والنادي الرياضي والتخفيضات على الأجهزة النقالة وغيرها من المميزات التي تضمن الولاء وتخفض نسبة الدوران والتسرب الوظيفي.
إن حديثنا عن شركة بين ليس إعلانًا ترويجيًا بل هو درس يحقق ما تدعو إليه نماذج التميز المؤسسي التي تؤكد على ضرورة المقارنة المرجعية والتعلم من أفضل الممارسات العالمية.
والمتأمل في مساعي بعض المؤسسات يجدها تركز على النتائج والأرباح دون وعي حقيقي بأن الموظف هو سيد الموقف وعصب الإنجاز، فعندما تعمل المؤسسة على إنجاح الموظف يقوم بدوره تلقائيا في إنجاحها. لذا فإن الانفاق على رفاهية الموظفين وتهيئة البيئة الجاذبة والمحفزة لهم ليس هدرًا ماليًا أو ترفًا زائفًا، بل هو استثمار ذكي يعود بالأرباح المضاعفة على المنظمة عندما تتبنى هذا المفهوم. وكما بدأت حديثي أختمه... عندما تنثر البذور في حدائق الموظفين تجد الثمار في سلال العملاء والمستفيدين.