جاء في ختام المقال السابق أنه لا معنى للحديث عن نهايات الأشياء، مادام بالإمكان أن يتواجد القديم والجديد وأن يتجاورا، وأن يكمل بعضهما بعضا، ومادام في القديم مزايا تؤهله للبقاء. لكن هنالك دائما من يحمل مسمارا بيده ليدقه في نعش شيء ما. وقد جاء دور الحديث عن نهاية عصر الكتاب الورقي.
لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية الكتاب الإلكتروني، وأنه قد وجد ليبقى. ومن مزاياه التحكم بحجم الحرف وثخانته، والبحث عن أية معلومة دون تقليب صفحاته، وشراؤه في أي وقت ومن أي مكان دون دفع مصاريف إضافية مقابل الشحن. ونستطيع أن نحمل معنا في سفرنا مكتبة ضخمة دون أن ندفع رسوما على الوزن الزائد. كما يوفر الكتاب الإلكتروني حيزا مكانيا لا يوفره الكتاب الورقي.
ولو أدرك أبو عبيد الجوزجاني تلميذ الشيخ الرئيس ابن سينا عصر الكتاب الإلكتروني لخفف من حماسته في مديح الأوراق التي كان يجدها صاخبة بالحركة والحياة بين أصابعه، ومحرقة أو باردة وفقا لما ضمَّنها صاحبُها من أفكار.
لكنّ للكتاب الورقي ميزاته أيضا. وكل الذين تناولوا هذه المقارنة يجمعون على أن الحديث عن نهاية زمن الكتاب الورقي سابق لأوانه، وأنه لن يختفي في القريب العاجل.
ولم يكن الهدف من هذا المقال بجزئه الأول والثاني المفاضلة، أو ترجيح كفة على أخرى، بل تأمل الأساليب التي يتبعها بعضهم للوصول إلى أحكامه واستنتاجاته. ففي حين يُعَنْون أحد الكتاب مقاله على هذا النحو القاطع المانع: «الكتب الالكترونية إلى زوال، والناس تعود إلى الكتاب المطبوع»، يأتي عنوان مقال كاتب آخر، له وجهة نظر مختلفة، في صيغة سؤال هو: «هل ستختفي الكتب الورقية». ثم يضيف إلى هذا السؤال سؤالا آخر هو: «هل قُدّر للكتاب الورقي أن يلحق بقوالب الطين والمخطوطات القديمة؟». ثم يعترف بصعوبة الإجابة عن هذه الأسئلة. فالكاتب الأول وصل إلى الاستنتاج الذي أراد الوصول إليه قبل أن يبدأ المقال، أي من العنوان. أما الثاني فقد حرضنا على البحث عن إجابة.
وبعد: يبدو أنه من السابق لأوانه طرح هذه المقارنة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني في محيطنا العربي. وإذا ما تعلق الأمر بالقراءة، فإن السؤال الملح في الوقت الراهن هو: هل نحن شعب قارئ؟ وما نوعية الكتب التي يطالعها القارئ العربي مقارنة بما يقرأه الآخرون؟.