نشرت وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال تقريرا ضمنته توقعاتها لأداء البنوك الخليجية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العامين 2017 و2018، حيث ترى الوكالة أن الانخفاض في إيرادات النفط الذي بدأ منذ منتصف 2014 قد قيد من آفاق النمو الاقتصادي، وبالتالي قلص فرص التمويل للبنوك الخليجية سواء الإسلامية أو التقليدية. وتتوقع الوكالة أن يبلغ متوسط أسعار النفط 50 دولارا خلال العامين 2017 و2018 وأن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 1.9% عام 2017 و2.4% عام 2018 بالمقارنة مع 2.3% عام 2016. وتبعا لذلك سوف يتباطأ نمو البنوك الخليجية إلى 5% عام 2017 بالمقارنة مع 7% عام 2016 بسبب انخفاض الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب مما يخفض من فرص التمويل في قطاعي التجزئة والجملة. وتتوقع الوكالة ارتفاع نسبة التمويلات غير المنتجة من 3.1% عام 2016 لتتراوح ما بين 4-5% عامي 2017 و2018. كما سوف تتأثر أنشطة المقاولات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأنشطة التجزئة بتباطؤ الدورة الاقتصادية. وبسبب تقلص الفرص الاقتصادية وتراجع جودة الأصول مع احتمال ارتفاع المخصصات، كذلك تراجع الفرص التمويلية ذات الجودة العالية وارتفاع تكلفة التمويل، جميعها أسباب قد تفضي إلى انخفاض أرباح البنوك الخليجية عامي 2017 و2018 بحسب رأي الوكالة. وتبرز أهمية مناقشة مثل هذه القضايا المصرفية في ظل التحديات التي تواجه تعافي الاقتصاد العالمي، والمخاوف من التطورات في الاقتصاديات المتقدمة، وكذلك الاقتصاديات الناشئة التي تواجه هي بدورها تحديات للمحافظة على زخم النمو لديها. ويبرز على ضوء كل هذه التطورات والتحديات، أهمية تقوية ممارسات الرقابة الاحترازية الكلية وإدارة المخاطر لدى المؤسسات المالية والمصرفية الخليجية. كما يؤكد على الحاجة لمتابعة تطوير القدرات الإشرافية والرقابية، بما يعزز من سلامة وكفاءة القطاعات المصرفية وقدرتها على مواجهة الصدمات. لقد بذل المجتمع الدولي ممثلا بلجنة بازل للرقابة المصرفية وقمة العشرين والمصارف المركزية جهودا كبيرة خلال السنوات الماضية؛ سعيا للتطوير والارتقاء بالتشريعات والإجراءات الرقابية للتعامل بصورة أكثر احترازية وشمولية مع المخاطر، والعمل على انسجام ذلك مع متطلبات رأس المال والسيولة للمؤسسات المالية والمصرفية، بما يساعد على تحسين قدرة القطاعات المالية والمصرفية على مواجهة الصدمات الاقتصادية والمالية المختلفة. وقد تجسدت هذه الإصلاحات بالقواعد الرقابية بما يعرف ببازل 3. ولا شك أن السلطات النقدية الخليجية تحرص على تطوير التشريعات والممارسات الرقابية لتنسجم مع التطورات والتعديلات في المبادئ والمعايير الرقابية الدولية. فقد أقدمت المصارف المركزية في السنتين الأخيرتين على اتخاذ إجراءات نحو تطبيق بازل 3. ومع ذلك، فإن تعقد هذه التشريعات والمعايير الرقابية وتسارعها، يفرض تحديات عديدة على المصارف المركزية والسلطات الرقابية والمصارف نفسها في الدول النامية ومنها المصارف الخليجية. إن البنوك الخليجية تواجه عددا من التحديات، وفي مقدمتها الارتفاع الكبير في التركزات الائتمانية، والحاجة إلى تقوية ممارسات الحوكمة السليمة وإدارة المخاطر. ولا يخفى أنه على الرغم من كبر الحجم النسبي للقطاع المصرفي الخليجي وكذلك حجم تمويله للاقتصاد كنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا التمويل يعتبر أكثر تركزا مقارنة بأي مجموعة أخرى من الدول. ولا شك أنه بالإضافة إلى ما يحمله هذا التركز من مخاطر كبيرة على النظام المصرفي، فإنه يعيق من جانب آخر تمويل احتياجات التنمية. ذلك أن الجزء الأكبر من الشركات وقطاع الأعمال، خصوصا الصغيرة والمتوسطة، ما زالت محرومة من الحصول على التمويل والخدمات المالية والمصرفية. وحصة هذه الشركات من إجمالي القروض والتسهيلات التي تقدمها المصارف محدودة في المتوسط.
ولا شك أيضا في أن هناك العديد من السياسات والإجراءات التي يمكن للسلطات الإشرافية تبنيها، سعيا إلى الحد من هذه التركزات الائتمانية وتحسين الوصول إلى التمويل. كذلك لا يقتصر الأمر على تركز التسهيلات الائتمانية، بل أيضا هناك تركز كبير في هيكل ملكية المؤسسات المصرفية. ويقود هذا إلى مسائل تطبيق قواعد وممارسات الحوكمة السليمة لدى هذه المؤسسات. كما تبرز تخوفات من تأثيرات الإجراءات الرقابية الدولية ومنها بازل 3 على القدرات التمويلية للمصارف الخليجية وبالتالي في قدرتها على دعم القطاع الخاص للنهوض بدوره في برامج التنمية خاصة في ظل تراجع الايرادات النفطية الحكومية. كما أن محدودية وسائل التمويل المحلية المتوسطة والطويلة الأجل والمخاطر المحتملة المرتبطة بتلك المشاريع ومحدودية المشروعات المهيكلة بشكل جيد وصغر حجم أسواق المال والقيود على الاستثمارات البينية ومخاطر البيئات الاستثمارية والتشغيلية جميعها تحد من دور القطاع الخاص في برامج التنمية. لذلك، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة حيث تسعى الحكومات والسلطات النقدية الخليجية للاعتماد بصورة أكبر على أموال القطاع الخاص المودعة لدى البنوك المحلية في تمويل عجلة الإصلاحات الاقتصادية، فإن هذه التوجهات تعتبر مناسبة للقيام بتخفيف مخاطر البنوك من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي توفر بيئة تتسم بدرجة أقل مخاطرة لرأس المال، كذلك من خلال قيام الحكومة بتقديم ضمانات جزئية للقطاع الخاص ضد المخاطر السياسية، وتفعيل خدمات الدعم الفني والمساعدة التقنية والتي تقدم خدمات استشارية وتمد المنفذ بالتصميمات اللازمة للإصلاح المؤسسي والتشغيلي بل وتقوم أحيانا بإعداد دراسات الجدوى، وتطوير مؤسسات تمويل برامج التنمية لتوفير قروض للمشاريع بفترة سماح أكبر وتكلفة أقل لتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في هذه المشاريع، كذلك قيام الصناديق السيادية بالاستثمار في محفظة من المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، أي تساهم في تمويل المشروعات ومن ثم لا تنطوي على نسبة مخاطر عالية بسبب التنوع الذي تتسم به المحفظة الاستثمارية، وهذه كلها إجراءات من شأنها أن تدعم البنوك الوطنية وتعزز من مشاركة القطاع الخاص في التنمية.