سؤال دائم التكرار لدى الشباب المهتم بالمسار الفكري والثقافي في الوطن العربي: لماذا تاريخنا مليء بالقطيعة بين الأجيال مما يساهم في تأخر المجتمع ويزيد حجم التخلف ويؤسس لأزمة ثقة مستمرة بين الجيل والجيل الآخر؟ سؤال مهم جدا، ولكن الأجوبة متفاوتة حول هذا الإشكال الملح، والذي يحتاج إلى كثير من النقاش؛ حتى نتمكن من فهم الإشكال وتجاوزه إلى حالة التراكم المعرفي والثقافي الذي ينتشل الوطن العربي من حالة الإحباط والتشظي إلى حالة النمو والرقي. كثيرة هي المشاريع الفكرية والثقافية التي سمعنا عنها، ولكنها أصبحت إما في رفوف المكتبات أو في طي النسيان، كل هذا بسبب أن أصحاب تلك المشاريع يعملون كأفراد مما يجعل مشاريعهم وأفكارهم تتوقف أو تنتهي بعد مماتهم مباشرة، والسبب الآخر أنهم لم يؤسسوا إلى عرف ثقافي يجعل من مشاريعهم ذات حيوية ونمو بعد رحيلهم، حيث تلك الاجتهادات محصورة بهم فقط، بمعنى أنهم أهملوا- بقصد أو بدون قصد- تربية جيل يحمل ما أنتجوه من أفكار ويسعى إلى تطويرها في المستقبل، وهذا كما أعتقد خطأ وقع فيه الكثير من المفكرين في الوطن العربي للأسف. حيث يقول د. عبدالإله بلقزيز: إن «تاريخ الفكر الإسلامي: الحديث والمعاصر، تاريخ قطائع، تمثل فيه كل لحظة فكرية قطيعة مع سابقتها».. أي أن القطيعة المعرفية أصبحت مع مرور التاريخ هي التي تتراكم خلافا لما يجب أن يكون عليه الفكر وهو التراكم المعرفي الذي ينهل من بعضه بعضا مما يساهم في ترسيخ الوعي لدى المجتمعات العربية. الأمم التي تفكر في النهوض والتقدم هي التي تراكم تجاربها الفكرية والثقافية، وهي التي تجعل ذلك التراكم المعرفي حالة أصيلة في وعيها وتفكيرها، وليس العكس!.