استحوذ برنامج (الصدمة) على اهتمام مشاهدي قناة (ام بي سي)، غير أن البرنامج ليس موضوع هذا المقال، وإنما أشير إليه كمدخل للحديث عن وجهي العملة للسلوك الاجتماعي البشري. لذلك لا تعنيني الجوانب الفنية، ولا الملاحظات التي يسجلها بعضهم على البرنامج. ما يعنيني هو الهدف الذي أراد منتجو البرنامج الوصول إليه. وفي ما يتعلق بذلك الهدف، استطاع البرنامج أن يظهر بعض الجوانب الجميلة لدى الناس، كالإيثار، والشعور بالمسؤولية، وروح المبادرة. وهي قِيم إذا ما اختفت تتحول الحياة إلى منفى موحش.
تسلط كاميرا البرنامج أضواءها على شخص يتفاعل مع ما يشاهد فيرتقي بإنسانيته. يتجاوز ظلام الأنانية فيشع جمالا، و«يبدع إنسانا من خلال نفسه» كما يعبر أحد الفلاسفة، فيبادر إلى تصحيح خلل ما، أو الدفاع عن قيمة ما. وقد تسيل الدموع أحيانا بدافع إنساني لتعبر عن مشاعر صادقة. مبادرات تفتح نافذة واسعة على التفاؤل والأمل، وتؤكد للمشاهد أن الدنيا ما زالت بخير.
هذا هو الجزء المليء من الكأس. أما الجزء الفارغ منه فيتمثل في الأنانية التي استطاع البرنامج أن يسلط الضوء عليها. حيث يشاهد بعضهم ما يجري حوله فيمضي إلى حال سبيله لأن الأمر لا يعنيه. شيء يناقض ما يقوله الكاتب الأفريقي همباطي: «النار مهما صغرت، والمشاجرة مهما كانت بسيطة هما الشيئان الوحيدان القادران على إنجاب طفلين أضخم منهما بكثير: إما حريق أو حرب»!
صحيح أن الأنانية جزء من الطبيعة البشرية، لكنها لا تحقق السعادة إلا بشكل عابر. فالسعادة لا تكتمل إلا بسعادة الآخرين التي غالبا ما يتم تجاهلها.
لا تقتصر الأنانية على الأفراد بل تمارسها الدول والمجتمعات أيضا تحت عنوان «أنا ومن بعدي الطوفان». وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي تلتهم الأسماك الكبيرة الأسماك الصغيرة، وقد تساهم أنانية الإنسان في إشعال حروب متعددة الغايات دون اعتبار للويلات التي يذهب ضحيتها الأبرياء.
وتهيمن في هذا العصر أنانية تحتكر الثروات، وتكدس الفائض، أو ترمي به في البحر لتحافظ على سعره المرتفع. لا تستثني تلك الأنانية من تعدياتها الأرض ولا الفضاء، تعديات تندرج جميعها تحت عنوان الإخلال بتوازن النظام البيئي. فهي تلوث البيئة، وتدمر الغطاء النباتي، وتلحق الضرر بالثروة الحيوانية، وتؤدي إلى نضوب الموارد الطبيعية. لذلك يحتاج الإنسان إلى أكثر من صدمة ليقلل من منسوب تلك الأنانية التي عبر عنها الفيلسوف ديفيد هيوم بسخرية قائلا: «دمارُ العالمِ ولا خدش في إصبعي»!