إن من مسلّمات التقدم المجتمعي وأساسياته اعتماده على شكل النظام التعليمي في كافة مراحله، وأيضاً على مدى التناغم والتوافق بين مكونات هذا النظام بمراحله المتعددة، مدرسية وتعليم جامعي سواء كان متوسطا أم عاليا، ومدى توفير النظام لمخرجات تلبي احتياجات المجتمع العلمية والاقتصادية والخدماتية المتناغمة مع متطلبات سوق العمل، الذي يعد من أوجه التقدم والحضارة لتحقيق الرفاهية. بينما من الملاحظ أن لدينا اعتلالا في التعليم العالي أظهرته البطالة، وزاد الطين بلة الابتعاث غير المدروس. فكأنما الابتعاث تخفيض وهمي مؤقت للبطالة وتجييرها من وقت سابق إلى وقتنا الحالي، ولنعلم أن بطالة الماجستير والدكتوراة أخطر بكثير. فالتعليم العالي الذي لا يحقق الفائدة المرجوّة منه يُعدّ ترفاً لا معنى له، حيث إن مصلحة المجتمع وفائدته هي أسمى وأعلى من التعليم العالي ذاته، فلو كان الابتعاث للصين أو اليابان لصيانة الآلات مثل الجوالات وأجهزة الكمبيوتر كان أجدى، لكن أن تكون التخصصات موارد بشرية وتخصصات إدارية والنتيجة بطالة مضاعفة تمثل قنابل موقوتة؛ فجميع من يستهان بشهادته يعتبر قنبلة موقوتة، ولا أحد يحب أن يجني الشوك بعد تعب سنين.
وللأسف الشديد فإن بعض خريجي البكالوريوس والماجستير والدكتوراة بعد أن تعثر بهم الطريق للحصول على الوظائف في تخصصاتهم بدأوا بالعمل على عربات اجتهادية لعمل السندويتشات والشاورما في الشوارع لسد احتياجاتهم الشخصية، والمحظوظون فيهم من حازوا بلغتهم الإنجليزية على وظائف في قاعات استقبال الفنادق والمجمعات والمستشفيات والمستوصفات والشركات المتواضعة برواتب متدنية جداً. نعم العمل عبادة، وما دامت الوظيفة شريفة فلا عيب في امتهانها وكسب القوت الحلال منها، لكن سنوات الجهد والعناء والدراسة هل ذهبت هباء؟ لقد كان من ضمن شروط الابتعاث القديمة أن يعمل الخريج لصالح الدولة عدداً من السنين الموازية لدراسته بعد التخرج، نتمنى أن ينفذ هذا الوعد ونحن على ثقة من ذلك، ومن الممكن أن يعمل هؤلاء كمتدربين بمكافأة تكفيهم العوز، وتحافظ على مركزهم الاجتماعي ولا يخفى ما للبطالة من علاقة وثيقة بالجريمة والانحراف، كفانا الله شرها.