نستكمل الحديث في هذا المقال عن الإعلام بمكافآت ومزايا أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين، ونأتي إلى ما يتعلق بلزوم الإعلام المبكر عن المكافآت والمزايا لدى المنظم السعودي، فبحسب المادة (126 فقرة 3) من نظام الشركات فإن مجلس الادارة يلتزم بوضع تقرير عن نشاط الشركة ومركزها المالي في مركز الشركة الرئيس ليكون تحت تصرف المساهمين قبل انعقاد الجمعية بعشرة أيام (في نظام الشركات السابق كانت 25 يوما).
لكن السؤال الذي يتم طرحه هنا، هل ما طلبه المنظم السعودي من مجلس الادارة في المادة (76) سيكون ضمن هذا التقرير أم لا، إذ إن مضامين التقرير المذكور في المادة (126 فقرة 2) لم تذكر ما ورد في المادة (76) أو على الأقل لم تشر بالإحالة لذكر ما ورد فيها.
مما يجعلنا نرى أن المنظم السعودي لا بد له من النص الصريح على إظهار ما حصل عليه أعضاء مجلس الادارة من مكافآت ومزايا قبل موعد انعقاد الجمعية إما بنص صريح في المادة (76) أو بتضمينها صراحة ضمن متطلبات التقرير المشار إليه بالمادة (126 فقرة 2). علما بأن هذا الانتقاد قد قامت العديد من قوانين الشركات المعاصرة بتلافيه وتداركه، ولا يسع المقام هنا لسرد نصوصها في هذا الشأن.
وما اقترحناه في شأن التصريح الصريح بتوقيت الإعلام في شأن المكافآت والمزايا يسد الباب أمام أي تحايل على النص، فقد يتم إرجاء الإعلام بها من قبل مجلس الإدارة حتى وقت اجتماع الجمعية محتجين بفهم النص وفق ما يريدون، وهو ربط الاعلام المسبق بما تضمنه نص المادة (126 فقرة 2) حرفيا فقط دون اشمال مضمون المادة (76) معها، مع تسليمنا بأن المنطق السليم يجعل التقرير المشار إليه في المادة (126 فقرة 2) يتضمن المقصود بالمادة (76)، لكن الواقع العملي يؤكد ذلك من خلال مناقشاتي مع بعض التنفيذيين أن الإعلان عن المكافآت والمزايا المضمنة في تقرير مجلس الإدارة يُعلن ويُتلى في اجتماع الجمعية العامة. وهذا في نظري يُقلل الفرصة بل يُعدمها للمساهمين في مناقشتهم وتباحثهم فيما بينهم بخصوص تقييمهم لتلك المكافآت والمزايا وسماع وجهات نظر بعضهم من بعض، وهذا لا يتسنى في وقت قصير تم تخصيصه للسماع والتصويت.
وهنا أود الإشارة إلى وجود صور متعددة تُستخدم لتضخيم قدر المكافآت الفعلي لعضو مجلس الإدارة دون القدر الصوري الذي يتطابق مع القرار الوزاري. منها على سبيل المثال:
1- يُعطى العضو المبلغ الفلاني نظير أعماله في لجنة كذا.
2- يُعطى العضو المبلغ الفلاني نظير أعماله في مفاوضات داخلية في كذا.
3- زيادة على الثلاثة آلاف التي تُعطى للعضو لحضور جلسة واحدة، فإن الشركة تدفع أضعافها من خلال تذاكر سفره ذهابا وإيابا، وسكنه في الفندق، وطعامه وشرابه كاملا بالفندق، مع الاستقبال في المطار وإعطائه سيارة وسائقا، وقد يمتد بقاؤه لثلاثة أيام وقد يصل لأكثر من ذلك إن كانت عائلته برفقته. ثم يصدِر المدير العام تلك المصروفات بمسمى مصرفات إدارية، وكل ذلك رغبة في كسب ود العضو وجعله في رفاهيةٍ كاملة ليمرر للإدارة التنفيذية قراراتها في الجلسة دون نقاش أو تقصٍ.
4- زيادة على ما تقرره الشركة للعضو من مبلغ يومي جزيل في انتدابه لحضور مؤتمر خارجي أو مفاوضات خارجية، فإن الشركة فعليا تتحمل جميع مصروفاته دون استثناء (جناح فندقي فخم شاملا فاتورة مفتوحة للطعام والمشروبات مع السيارة والسائق وغيرها) دون المساس بذلك المبلغ اليومي المحدد له الذي يعتبر كافيا لاحتياجاته اليومية من سكن وطعام ومواصلات، فتكون المصروفات في أقل أحوالها عشرة أضعاف مجموع المبالغ اليومية المحددة له والتي تبقى له ليستلمها عند عودته. ثم يتم تمرير هذه المبالغ التي تزيد أحيانا على المائة ألف ريال من المدير العام تحت مسمى مصروفات رحلة عمل.
ومن الطبيعي أن مراقب الحسابات الخارجي عندما يرى مصروفات رحلة عمل خارجية بلغت مائة ألف لا يتفاجأ لأنه يظنها لمجموعة موظفين ولفترة طويلة، فيكون المبلغ مستساغا وطبيعيا عنده، كما أنه لا يتدخل في تفاصيل هذه المصروفات بل يكتفي بالمسمى العام لها وهو «رحلة عمل خارجية». وبمثل ما سبق يكون الأمر كذلك في مسمى «مصروفات إدارية». لكن لو تم إيضاح أن هذه المصروفات لشخص واحد ومدة وجيزة لاختلف الأمر عند مراقب الحسابات الخارجي إن كان مطبِقا لأمانة المهنة.
لذلك فإني أقترح أن يُوجِد المنظم السعودي نصا نظاميا (سبق أن أرسلت المقترح لوزارة التجارة قبل سنتين) يُوجب ذكر المجموع الكلي لما حصل عليه عضو مجلس الإدارة من مكافآت أو بدلات أو إضافات بشكل مباشر أو غير مباشر، مع ذكر سبب المكافأة أو الإضافة التي أُعطيت له. ولا يظن ظان أن وجود مثل هذا النص النظامي إنما هو تحصيل حاصل بل إنه يكفي فيه أن يكون سيفا مسلطا على المتلاعبين خشية انكشاف أمرهم الذي سيترتب عليه عقوبة حقيقية منصوص عليها وليس مجرد عتاب أو إقالة.
أما فيما يتعلق بتلك المصروفات الباهظة التي ذُكِرت آنفا بعضُ صورها والتي تتكبدها الشركة من أجل أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين وتوضع تحت مسمى مصروفات إدارية أو مصروفات رحلة عمل، فتحتاج من المنظم السعودي لمزيد من الدراسة والبحث لإيجاد أنجع الطرق لمعالجتها، إلا أن أعظم علاجٍ لها هو نزاهة رأس الإدارة التنفيذية الذي يُفترض فيه أن يكون أمينا على أموال الشركة التي ائتمنه المساهمون عليها.