ما إن ترنو ببصرك شرق مدينة الهفوف حتى تطل عليك وعلى بعد سبعة كيلو مترات أو أقل قرية بني معن، تلك القرية الهادئة الكامنة بين حنايا النخيل الباسقة التي تحتضنها من كل صوب وحدب احتضان الأم الرؤوم لوليدها تسقيها رونقها وإبداعها وتلهمها قِدم وأصالة تاريخها التليد المنقوش على سمائها والضارب في أعماق ينابيعها السبعة المتناثرة في كل أرجائها.
أحد سكان بني معن -شاكر عبدالله الشيخ- يقول عن الأخدود: إنه يقسم حي الزعابلة التي يمر بها إلى قسمين شمالي وجنوبي، ويتابع: لا أنسى ذلك الأخدود الصغير الذي يسمى «الثبر» حيث تتدفق منه تلك المياه الرقراقة قادمة من عين أم خنور فيقسم بدوره حي المقصب إلى قسمين شرقي وغربي وتزين جوانبه تلك الأشجار الجميلة.
من داخل أحد أحياء بني معن (اليوم) إلا أن تعاقب الأيام لم يرحم «بني معن» وتقادم الأزمان لم يرأف بها فسلبها زرقة مائها واخضرار بساتينها، ولكنها ظلت تقاوم مَعاول السنين الهدامة، فصنعت لنفسها مجداً جديداً وارتدت حلة عصرنا وتألقت في كل ميدان ومحفل، فتحولت من قرية صغيرة محدودة البنيان والمساحة لا يتجاوز تعداد سكانها 1100 نسمة ومساحتها الصغيرة التي لا تتجاوز بضعة أزقة كالصفية والمقصب والعشاش وأزقة السادة والعطية والبوليد يلفها سور دائري ليحميها من شرور الأعداء، كما ذكر ذلك المؤرخ الألماني فيدال حتى امتدت بأطرافها الأربعة فاشتملت ببردتها البديعة أحياء جديدة كالموشرة والهبير وانضمت لها حديثاً الثلث والمعامرة والقويع، ولا يزال هذا التمدد يتواصل كبلدة أطل عليها الخير في عهد الخير، فتطاول بنيانها وتشامخ مقامها فصارت تقارع القرى الكبيرة فاقتحمت التطور الثقافي كغيرها لترضع أبناءها العلم والمعرفة بعد أن كانوا أميين لا عمل لهم إلا الزراعة والفلاحة، فصنعت منهم الموظفين وحملة الشهادات والأكاديميين في مختلف التخصصات، فأضحت بلدة يشار إليها بالبنان بين البلدات الأخرى؛ ففيها المدارس لكل المراحل التعليمية للجنسين ذكوراً وإناثاً وبها مركزها الصحي الذي يتولى معالجة مرضاها وشُقت الطرق الأسفلتية فأزالت عن وجهها عوالق التراب، كما أن ليلها صار لوحة جمالية حين تنيره فوانيس الصوديوم كالقناديل المعلقة في أفق سمائها بعد ما كانت غارقة في بحر من الظلام الدامس.
ولهذا نجد أهالي بني معن دائما ما يعربون عن شكرهم لحكومتنا الرشيدة لما قدمته وتقدمه من أجل هذا البلد المبارك في كل قرية ومدينة وهجرة، فما قرية بني معن إلا إحدى القرى التي شملها فيض التغيير والتطوير حتى أضحت وردة متفتحة في بستان عصرنا الجميل، بيد أنهم نوهوا أيضا إلى أن القرية لم يعد ينقصها سوى حديقة ترفيهية وروضة حكومية تجمعان شمل صغارها وتختصر وقت كبارها ومركز صحي بمبنى حكومي يواكب التزايد المستمر الذي تتباها به بين قريناتها وتكمل به حسنها وجمالها.