عادة ما تشف الكلمات وترق متى ما كان موضوعها متصلا بعهد الصبا ومرح الطفولة. فالكتابة الإبداعية بذاكرة طفولية لا تقوى إلا أن تكون منقادة بعين ذلك الصبي الذي لا يكف عن رفع يده مندهشا ومستفزا لكل فراشة ملونة يشاهدها وهي تتنقل من شجرة إلى أخرى مشكلاً النص برؤاه ووفق ملاحظاته الطفولية. ففي نص القاص حسين الغامدي «رسالة إلى ميم»، الذي يحكي حدثا طفوليا في رحلة مدرسية إلى منتزه، نجد فيها الصبي وهو يتشارك اللعبة مع رفيقه بانسجام أخاذ، لكنهما في النهاية يتنازعان على كوب الشاي الذي يعتقد كل منهما أنه ملكه. النهاية كانت مفاجأة طفولية أيضا عندما يكتشفان أن الكوب الآخر سرقه أحد الزملاء الأشقياء.
فعلى النقيض من بساطة الحكاية، إلا أنها موغلة في الترميز، فمتى ما كانت عتبة النص رمادية وقد اتخذت من الرمزية مدخلها «ميم»، فليس بمقدورنا سوى أن نمضي معه ونحن ممسكون بأطراف ثيابنا خشية التعثر والسقوط في مياهه الضحلة. أما العميق منها فهو لا يفاجئنا باعتبارنا قد ارتدينا ثياب الغطس ونظارة الأعماق الكاشفة. فبالرغم من إحالته الظاهرية إلى زمن الطفولة المبكر، إلا أن القاص يذهب بنصه إلى الذات في أشد نوازعها بدائية وانغلاقا عندما تبرز فطرة الامتلاك والحيازة. هي كروموسومات متغلغلة في جيناتنا الوراثية منذ زمن الإنسان البدائي ولا يشذب سطوها سوى الوعي بحدود الذات عند مقابلتها للآخر الذي نتقاطع معه في مساحة واحدة. لذلك يقول أحد الفلاسفة: في أوقات عديدة تجد نفسك وأنت تتحدث بلسان جدك السادس عشر!؟
فمعالجة البدائي الكامن في أعماقنا تتطلب مسيرة طويلة من الوعي والثقافة حتى نقبل بالآخر ونتشارك معه الحياة بحسن الظن ومفهوم الإيثار، وهذه بحق كانت رسالة النص وغايته.