يعد كتاب (حنادي ونقوش من عبق أبها القديمة)، لمؤلفه د. شاهر النهاري، اطلالة على التراث الشعبي القديم لمدينة أبها القديمة، اذ قام مؤلفه من خلاله بإيراد مجموعة كبيرة ومختارة من القصص والحكايات الشعبية والأمثال العامية المتداولة بين أهالي المنطقة، والدارجة على ألسنتهم، والتي تم توارثها فيما بينهم من جيل الى آخر حتى صارت تمثل بالنسبة اليهم موروثا اجتماعيا، أو ارثا فلكلوريا له خصوصيته الثقافية والتاريخية المعتبرة، والتي تخصهم وحدهم دون غيرهم من المجتمعات الأخرى. وهذه احدى السمات التي يتسم بها تراث الشعوب على مر التاريخ، بحيث ركز كثير من علماء (الانثروبولوجيا) وعلماء النفس في كثير من دراساتهم وأبحاثهم على هذه الناحية التي تربط بين الانسان وتاريخه الماضي وبين واقعه الحالي لمعرفة مدى ما تمثله هذه القيم والمعطيات الحضارية بالنسبة اليه، وما هي صلتها ببعضها ماضيا وحاضرا ومستقبلا؟ ومن هنا ظهر مصطلح (النوستالجيا) وهي كلمة لاتينية قديمة تعني – كمصطلح - حنين الانسان الى ماضيه القديم وتذكره له بين كل حين وآخر، ليس بهدف العودة الفعلية لهذا الماضي؛ لأن العودة اليه امر في عداد المستحيل، ان لم تكن مستحيلة فعلا، ولكن لكونه يعني له اللبنة الأساسية التي قام عليها كيانه الأول، ايمانا بمقولة (من ليس له ماض، فليس له حاضر)! وحول هذا الجانب النفسي يتحدث مؤلف الكتاب بقوله: «وأنا أعلم أن في جوف كل منكم وطنا حقيقيا يشتاق له، ويحن لترابه، ويظل حنينه له كأول منزل، ويتمنى لو يعود به الزمان ليحتضنه على صدره وقلبه من جديد، وينهل من ورد حبه أكثر مهما علت به الأبراج، ومهما ألهاه التكاثر، ومهما بلغ به مدى السعي في شتات الأرض، ونال من حوافز الترقي. ولعلنا في يوم من الأيام أن نتمكن من أن نعيش في عين الوطن، ولو في أيام اجازاتنا أو قل أيام راحة غربتنا».. وفي المقدمة يتطرق المؤلف للحديث عن معنى مفردة (حنادي) كمفردة جزئية في تركيب المسمى الكلي للكتاب، وهي ذات مدلول شعبي خاص في التراث القديم لأهالي مدينة أبها بقوله:
(والحنادي ماهي الا قصص وحكايات حميمة أدهشت براءة طفولتنا على لسان أجدادنا وجداتنا عن مجتمع وكينونة وعبق أبها القديمة، فتناقلتها مخازن الذكريات بعذبها ومرها، وكانت بمشاعرها الجميلة الفطرية المتآلفة الحبيبة نقوشا مهملة على صحائف الأيام، خشينا أن نفقد حنين روعتها بين مغبة تسارع سنين عمرنا، وبين صلادة ومادية بريق وهج حاضرنا، الذي صرنا نتسابق فيه مع وهم المشاعر والسعادة، فلا نسبق).انتهى كلامه. ان هذا الكتاب وما جاء بين دفتيه اضافة قيمة لمكتبتنا التراثية السعودية، يجد متصفحه المتعة والفائدة, أينما تنقل بين صفحاته, وأمعن نظره بين ثناياها. وقد اتسم اسلوب مؤلفه بالجدة والطرافة والبساطة والوضوح في تقديم مادته وشرحها للقارئ, مستخدما أسلوب القص أو السرد الحكائي الماتع, الذي يظهر من خلاله ذاته وتماهيه مع عناصر التراث بحس أدبي فني رفيع, مبتعدا عن التوغل في حيثيات الدراسات العلمية الموغلة في تفاصيلها لهذا اللون من التراث, وأساليبها ومنهجياتها الموضوعية المتجردة من الذاتية. وهذه ميزة أخرى تحسب لصالح الكتاب ومؤلفه الذي قام بتوظيف هذا التراث توظيفا أدبيا حتى بدا لنا وكأنه يخاطبه بوجدانه ومشاعره، ويستنطقه حسيا، ولم يكتف بالوقوف منه موقف الباحث أو الدارس, ليحيله الى مادة علمية خاضعة لقوانين صارمة أو نظريات جافة مفرغة من الحس الانساني تماما. يضاف الى ذلك تلك الرسومات أو اللوحات التشكيلية الجميلة،المرافقة لكل حكاية من تلك الحكايات التي ضمها الكتاب، بريشة الفنان سعيد عليان، والذي قام – بدوره كفنان - باستيحاء كل حكاية منها، ليحيل لغة الحرف المكتوبة أو المقروءة الى لوحة ذات لغة بصرية مرئية مما أعطى هذا العمل – ككل - أبعادا فنية أخرى أكثر شمولية.