في كتابها «لا يوجد وقت عادي» أوردت المؤرخة الأمريكية دوريس كيرنز غودوين أن مشكلة الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت كانت «تبدو غير قابلة للحل»، لكنه فعل ما لا يمكن ان يتوقعه أحد في المناخ السياسي السائد اليوم، لقد أخذ إجازة استراحة على متن سفينة حربية لمدة عشرة أيام، وعكف على دراسة الوضع وأعطاه الوقت والتفكير، الذي يستحقه للخروج بالقرار المناسب.
هذا التصرف -وفقا لمقال نشر بصحيفة «جابان تايمز»- أثار في البداية عاصفة من الانتقاد، جعلت البعض يقول: إن رئيس الولايات المتحدة هرب من العالم في منعطف بالغ الخطورة، وقال مساعده هاري هوبكنز في وقت لاحق «لم أكن أعرف لفترة من الزمن في ماذا كان يفكر الرئيس؟.. لكني بدأت أستوعب بعد ذلك الفكرة.. لقد كان يتزود بالوقود (الذهني) الذي اعتاد اللجوء إليه في كثير من الأحيان في وقت يعطي الانطباع بأنه يستريح ولا يشغل نفسه بهمٍّ ما. لذلك لم أسأله، ثم خرج فجأة في أحد الأيام وبين يديه البرنامج كاملا».
وكان هوبكنز -بحسب ما نشرته الصحيفة في مقال للكاتب جراهام أليسون- يشير بالبرنامج إلى الحدث الكبير المتمثل في قانون إقراض 50 مليار دولار بمقابل (كالسماح باستخدام الموانئ والمطارات)، وأصبح ذلك المدخل الفعال الذي تقدم الولايات المتحدة من خلاله المساعدات العسكرية للدول الحليفة خلال الحرب العالمية الثانية.
هذا البرنامج مكَّن الرئيس الامريكي من نقل المعدات العسكرية، التي سبق أن وافق الكونجرس على تمويلها إلى أي بلد يعتبر الدفاع عنها أمرا حيويا لأمن بلاده دون الحاجة للحصول على تعويض مقابل ذلك.
اليوم يواجه رؤساء الدول والحكومات ضغوطا وتعقيدات غير عادية، وهذا يتطلب منهم امتلاك مهارات من نوع آخر يستنبطونها من تحديات كبيرة تعينهم في صنع القرار لمعالجة التوترات كالتي بين الولايات المتحدة والصين.
بالنسبة للأمريكيين يحتاج الأمر لمواجهة التحدي الروسي المتزايد وعدم الاستقرار المتصاعد في الشرق الأوسط، وكذلك شبح التغير الكارثي في المناخ، فكم منهم يمتلك الشجاعة ليتعلم من نهج روزفلت؟
ووفقا للمقال، أن الرئيس بيل كلينتون اعترف وهو يسترجع ذكريات فترة رئاسته بمخاطر الإرهاق وانعكاساته على اتخاذ القرار، وقال: «كل الأخطاء الكبيرة، التي ارتكبتها في حياتي حدثت لأنني كنت متعبا جدا».
بجانب ذلك، استشهد الكاتب بكاتب آخر معروف، وهو ديفيد جيرجين، الذي أورد في كتابه «شاهد عيان على السلطة» بعض تفاصيل التصرفات غير المنضبطة لكلينتون في الفترة الأولى من رئاسته، من ذلك أن كلينتون وهو ما زال وقتها شخصية احتفالية مدفوعا بالانتصار والحب الذي وجده يظل يتحدث ويضحك مع أصدقائه القدامى حتى وقت متأخر من الليل، وكان تأثير ذلك واضحا على الرئيس، الذي وفقا لجيرجين كان «يبدو منهكا، متعجرفا وشديد الإعجاب بنفسه»، فضلا عن «مزاج متقلب، يثار بسهولة وقليل الصبر».
وختم الكاتب أليسون مقاله بـ«جابان تايمز» قائلا: «إن الحاجة إلى تهيئة الوقت والمكان اللازمين لإعادة ترتيب الأفكار والتزود بالطاقة وحسن التفكير والتروي أمر ضروري لنظام التشغيل البشري حتى يعمل بطريقة أمثل، ليس ذلك علة أو قصورا في النظام، وإنما هي ميزة بالغة القوة، ميزة يتوجب على القادة اليوم توظيفها والاستفادة منها إلى أقصى ما يمكن».