(إذا ضاق الصدر أكتب لك أشعار
أغني لك غزل وأعزف لك أوتار..)
هكذا هي نصوص الشاعر المخضرم جواد الشيخ، غنائيات رقيقة تتشكل صورها الشعرية وكلماتها من بيئته المحلية، ومتى ما أضفنا إليها محدداً آخر في مفهوم الفنون الشعبية والذي أشار إليه د.أكرم قنصو في أن غايتها (وظيفية)، يضيء لنا ذلك مدخلاً لقراءة ديوانه باعتبار أن جل قصائده كتبت كأناشيد تنشر البهجة وأغانٍ ترتبط بذاكرة الفرح:
(ياللي تزفونه
بالكم تتعبونه
خلُوا وَلِيد أُمَّه
يمشي على هونه)
هذه الغنائيات شكلت أغلب أغراض الديوان الشعرية «غدار يا بحر»، سواء الغزل منها أو بما كتبه عن مفهوم الوطن والذي ربطه بالأرض وعادله بميزان العاطفة الممنوحة للوالدين:
(إن كان تحب أرضك، تحب أمّك وأبوك
وإن خنت أرضك تلفظك لَمَّن تموت)
أما عندما نذهب إلى نزهة تأويلية للبحر محمولين بنص الشاعر الخالد «غدار أعرفك يا بحر»، فسوف تواجهنا العاطفة المشبوبة بالعشق وكأنها استحالت إلى مناجاة وشكوى أقرب إلى النشيج:
(وطِفرَت دمعة، لكن ما طَفَت
حرقة الشوق اللي في دمّي ركض
لَمَّا خفق قلبي).
فالشاعر هنا قدم صورة عشقية يكون المحبوب فيها متذبذباً في عواطفه، كما هي الأمواج حين تثور في مدها تارة، وتلاشيها وذوبانها في قيعانه عند الجزر حينا آخر، حيث يتمثلها الشاعر كطعنات غادرة تنال منه:
(غدار أعرفك يا بحر..
ضحكة أمواجك تسل سيوف تطعن في الظهر
وتغوص في صدر الخليج).
هذه الطعنات هي ما جعله يساوم على أن يتخلى عن كل شيء بشرط أن يظفر بالحبيب ويبادله نفس المشاعر:
(خذ يا بحر كل ما تبي/ اللؤلؤ والمرجان والثوب الحرير.. بس يرجع المحبوب طول في السفر).
إذاً، فقصائد الديوان عبرت عن القيم والثقافة الجمعية لبيئة الشاعر لكنها أبرزت أيضاً فردانيته في الأسلوب ورفضه القوالب الجاهزة بتبنيه الشعر الحر وليس المقفى.