واهمٌ من يتصور أن الإهمال في العمل لا جزاء عليه في الدنيا قبل الآخرة، وفي المقابل يأتي الإخلاص في العمل لكل من يُكلف بعمل يأخذ عليه أجرا فضلا عن كونه مسؤولا حينذاك تتضاعف الأجور لمن يدرك أنه سيقف بين يدي الله يحاسبه على مدى حرصه على أداء عمله، فإذا كان هذا بعامة، فحين تتضاعف المسؤولية يكون المسؤول قدوة لغيره بخاصة، فكل من اقتدى به إخلاصا في العمل ينال ثوابا من منطلق الفهم الصحيح لما جاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمن عمل عملا صالحا، واقتدى به غيره (فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة) يأتي هذا في الوقت الذي نقف رافعي أكف الضراعة للمولى -عز وجل- أن يرحم الدكتور عبد الله بن محمد الدغيم عميد عمادة الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الملك فيصل، ذلك الرجل الذي وقف مع كل باحث... لم يتأخر عن الذهاب بنفسه لقسم أو كلية مذللا الصعاب، وباحثا بدأب عن كيفية المخرج الصحيح لكل متعثر، أما إذا ذهب باحث أو منسق للدراسات العليا في كلية ما من كليات الجامعة إلى مكتبه فكان -رحمه الله- يستقبل الزائر مبتسما مبتهجا يجتهد في ألا يخرج من مكتبه إلا وقد انتهت المشكلة تماما...
كان العاملون تحت إدارته يجدونه شعلة نشاط رغم ألم لم يشعر به أحد سواه إلا خالقه الذي عنده (كل شيء بمقدار) فكانوا يقتدون به في حسن سير العمل وإجادته، فما إن يذهب مراجع إلى مكتب أحدهم إلا يجده حريصا على إتقان العمل فكانت العمادة مع عميدها أشبه بخلية نحل لمصلحة طلبة الدراسات العليا في مختلف التخصصات لجميع الكليات....
وحين تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبر وفاته اندلعت العبارات الصادقة من قلوب أحبت إخلاصه في العمل، فنعته بصدق مدركة حجم الخسارة التي ألمت بفقدانه، حيث تعاملت معه عن قرب لكن لا تملك إلا أن تردد قول الحق سبحانه وتعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» هذا يقول: كان الرجل مثالا للتفاني والعطاء في عمله، وثانٍ يقول: كان نعم الرجل أدبا وخلقا وعلما، وثالث يؤكد أن كل الكلمات والعبارات لا تفي الرجل حقه فإذا كان قد رحل عنا بجسده فإن ذكراه العطرة ستظل راسخة في قلوبنا.. كان من أرقى الناس خلقا كان في خدمة غيره قبل نفسه...
وإذا كانت قيمة الحدث تكمن فيما يمكن أن نتوقف عنده، فإن كثيرا من الدروس يوجبها رحيل الدغيم -رحمه الله- لعل من أبرزها: إدراك قيمة هذه الحياة إدراكا حقيقيا وأنها فانية، وعلى كل أن يستعد بعمل صالح ينفع به نفسه وغيره، ومن يؤدِ عمله بإخلاص وتفانٍ في دنياه يجد الخير العميم في آخرته طالما أن عمله مقبول لوجه الله...
وإذا ألقينا نظرة على لحظة وداع الدغيم فإنك كنت تسمع أصوات الدموع التي يدعو أصحابها له بالرحمة والمغفرة فكانت جنازته -رحمه الله- أشبه برسالة للجميع مؤداها اعمل مخلصا تهنأ في دنياك مستريح الضمير، وفي آخرتك تجد (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).