طفل لا يتجاوز السابعة من عمره جاءني ليقول لي: «أريد أكون مشهوراً»، قلت مثل من: قال مثل «عيوش»– صاحبة مقطع ويه ويه-، قلت: طيب، ليش الشهرة: قال: «الناس يعرفوني ويجيني فلوس كثيرة»!!!!
ضحكت على تفكير هذا الطفل، وحزنت عليه من مستقبل غريب يتعرض له أطفالنا.. فأطفالنا اليوم باتوا صرعى لإفرازات «السوشيال ميديا» بمختلف أدواتها..
الأطفال في هذه السن الصغيرة تهزهم لقطة عابرة عفوية، وتؤثر فيهم لقطة إعلانية، تطربهم شيلة حتى لو كانت على شاكلة «صامولي، زلزلة» فيرددونها ولو لم يفهموها!
ومع مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت نافذة واسعة لتقبل كل ما هو طريف وغريب، وما يقدم من مختلف الفئات العمرية، برزت ظاهرة إشهار الأطفال عبر تصويرهم ليشتهروا ومن ثم تُستغل شهرتهم مادياً عبر الإعلانات.. تجد في هذه الظاهرة الغرائب اللفظية أو الحركية مثل: الرقص، و«الاستهبال»، وأصبحت شهرة الأطفال مغرية لبعض الأسر، فأصبحوا يتفننون في الإثارة، بل إن بعض الأطفال يقومون بأعمال خطرة أو غير لائقة!!
وعلى الرغم من وهج بريق الشهرة، إلا أن لها أضراراً خطيرة على الأطفال، فشهرة الأطفال قد تقتل جديتهم في التعلم والتفوق الدراسي؛ لأنها تصيبهم بالغرور.
أيضاً الإساءات من قبل المتفاعلين والمعقبين على اللقطات أو الصور في حسابات التواصل لها سلبيات نفسية على الطفل، إذ كيف لطفل يرى كلمات الإحباط وكلمات السب والقذف أمام عينيه ولا يتأثر بها؟.. الطفل بقدر ما يفقد من براءته يفقد جزءاً من إنسانيته، فالواحد يشمئز من منظر طفلة تفعل ما يفعله الكبيرات، وتتخلى عن دورها الطفولي وتُقحم في دور ليس دورها.
الشهرة السريعة بلا أسس فقاعة سرعان ما تختفي؛ بخلاف الشهرة التي تأتي من خلال إنجاز علمي وتفوق دراسي.. وتصوير الأطفال لإشهارهم فيه قتل لروح الطفولة، إذ نرى أطفالاً في أدوار الكبار، والطفل بهذا الدور يتأرجح بين طفولة بريئة وبين إنسان بالغ محسوب عليه كل تصرف وحركة.
السبب في ظاهرة استغلال الأطفال.. غياب الأب المسؤول، وتنازل الأم المصلحة عن دورها، ودور المدرسة في علاج هذه الظاهرة قد يكون ضعيفاً أو معدوماً.. أصبح الأطفال اليوم ضحايا لكذبات كثيرة؛ جرأة، شهرة، ماركات، جوالات وبرامج تواصل اجتماعي سهلت عليهم الولوج في هذا الطريق المظلم.
كم صفّقتُ لقرار الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية، فقد جرّمت ظاهرة المشاهير من الأطفال الذين يستغلون بطريقة غير جيدة لأغراض الشهرة. وعدت «الجمعية» أن الأطفال تحت 18 عاما، والذين يظهرون في مقاطع ومشاهد لا تتناسب مع الذوق العام، وتستخدم فيها ألفاظ خادشة، يتعرض أولياء أمورهم للمسؤولية، وذلك وفقا لما نص عليه نظام حماية الطفل.
بقي أن نقول: إن شهرة عن شهرة تختلف.. فإذا كانت شهرة الأطفال لها محتوى هادف، يظهر موهبة ما، أو ناتجة عن تفوق علمي أو مهارة، وهواية مفيدة، وأشياء مناسبة لسنه كالألعاب والبرامج الهادفة فهي مطلوبة، أما إن كانت للربح فقط، وفيها تنازل عن قيم دينية أو اجتماعية، وخادشة للذوق العام، وقتل للبراءة الطفولية، فكبر أربعاً على أسرة لا تحسن تربية، ولا تبني بأطفالها مستقبلاً!
ولكم تحياتي