يقول شيخنا هادي العلوي: (في اللغة العربية عشر مفردات للحب وعشرون لفعل الحب وأربعون لمشتقاته.. ويصنف أدب الحب إلى ثلاثة: غزل وصبابة ووجد).
حين قرأت هذا وبعد ذهول صغير سألت: أين هو الحب؟ أين نرى وجهه القمري؟ هل نراه في اللغة، أم نراه في الناس؟
حين نفترض لقياه في اللغة فلا بد أن يكون ذلك في الغزل.. ورحت أبحث عنه في مئات القصائد من كل العصور.. فلم أره مطلا من شرفة قصيدة غزلية إلا نادرا ومن وراء زجاج.. وإذن أين ذهبت تلك المفردات وتلك المشتقات؟ لماذا لا نراها في حقلها الذي هو الغزل؟
لنذهب الى الافتراض الثاني وهو أن نراه في الناس، حسنا.. هل نراه على وجوههم أم نراه في قلوبهم؟ يجيبنا صلاح عبدالصبور بقوله:
«الناس في بلادي جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر
وضحكهم ينز كاللهب في الحطب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجأشون.
لكنهم بشر..
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود».
لقد هاجم زكي نجيب محمود صلاح عبدالصبور على القسوة في هذه القصيدة وأنا معه إلا قليلا.
إذا كنت قد قرأت الاتجاه الفلسفي لتيار «الوضعية المنطقية» فسوف تضحك حتى الخوف على كبدك من التمزق على تصنيف أدب الحب إلى ثلاثة: الغزل والصبابة والوجد.. فهذا المصنف «بسلامته» على أي أساس اتخذ هذا التصنيف؟ هل دخل على جمل إلى كل قلب عاشق ووزن مقدار ما فيه من الحب؟ وما الحد الفاصل بين الصبابة والوجد أو بينهما وبين ما يجسدهما وهو الغزل؟
كلام ميتافيزيقي فارغ هذا ما تقوله الوضعية المنطقية، وترميه في عالم الوهم والرغبات.. غير أني أكاد أراك تتميز غضبا على هذه الجريمة النكراء من الوضعية المنطقية لأننا لا بد أن نعمد إلى الشعر في العالم كله ونرميه في البحر وإلى الأحلام ومفسريها ونسوقهم إلى المقبرة وإلى الأوهام ونفقأ عينيها.
بالله عليك حين تقرأ لمحمود درويش:
«سألتك هزي بأجمل كف على الأرض
غصن الزمان
لتسقط أوراق ماض وحاضر
ويولد في لمحة توأمان
ملاك وشاعر»
ألا تشعر بأنه قد نبتت لك أجنحة؟