قد يبدو من الصعوبة التعامل مع السلوكيات البشرية في إطار مؤسسي، ولكن ذلك من الأهمية بمكان في مجتمع يشهد تحولات ثقافية وحضارية متسارعة، من واقع العملية التفاعلية الكثيفة في مواقع الشبكات الاجتماعية التي تسمح بدخول أفكار وأنماط ثقافية واجتماعية تنعكس على السلوك الإنساني الذي يعتبر حصيلة تمزج بين الثوابت والقيم الأصيلة والمتغيرات التي تهب من ثقافات الآخرين.
تأسست مؤخرا الجمعية السعودية للذوق العام، وفي تقديري أنها من الأهمية بما يجعلها منبرا علميا واجتماعيا متقدما تقتضيه عدة ضرورات تتعلق بالأمن الفكري والثقافي، وبلورة المزيج التفاعلي لمكتسباتنا الحضارية والثقافية، بحيث لا نفقد التوازن بين الثوابت والمتغيرات التي يمكن أن تطرأ على قيمنا وموروثاتنا، فبدون عمل منهجي يوفر مناعة ثقافية ضد ما يهدد بعض القيم وحمايتها من التآكل والزحف الصحراوي، من المهم جدا وجود عمل ناشط يحفظ التوازن في التلقّي السلوكي والثقافي.
تلك الجمعية الوليدة معنية بحسب أجندتها بتحقيق حزمة أهداف تتعلق بالذوق العام، ويشمل ذلك نشر ثقافة الذوق العام لكافة شرائح المجتمع لتحسين صورة المجتمع السعودي. وتأصيل الممارسات السلوكية ذات القيم الإسلامية لدى أفراد المجتمع ليصبح الذوق أسلوباً للحياة ومنهجا للتعامل. والإسهام في مد جسور التواصل بين المؤسسات لتحقيق التكاملية لإبراز أهمية الذوق العام في خدمة المجتمع. إضافة إلى معالجة الممارسات السلبية التي تخالف الذوق العام. والإسهام في تنمية الحس الوطني المرتبط بالذوق العام. وتحقيق الاستدامة من خلال ضمان تفعيل جميع المخرجات.
وتلك الأهداف لها أهميتها الاستراتيجية في تطوير السلوك العام ومن ضمنه الذوق باعتباره مسألة نسبية بحسب كسب كل فرد ونشأته وتقديره للحالة أو الموقف الذي يتعامل معه برقي واحترام، ووصول الجمعية الى رؤية ترتكز الى تحقق مجتمع ممارس للذوق العام قولا وسلوكا، أمر ينبغي دعمه وتشجيعه من الجهات ذات الصلة، كالشؤون الاجتماعية وقادة الرأي والنخب الفكرية والمجتمعية.
ولا شك في أن العمل بصورة مؤسسية من أجل الارتقاء بالذوق العام من خلال جمعية تؤسس لمنظومة سلوكية حضارية، تمزج الأصالة والمعاصرة في تعاملنا مع بعضنا والآخر، من الصعوبة في بدايته ولكنه ليس مستحيلا، إذ أن التفاعل مع الفكر الراقي والمعاملة المتميزة والمثالية من الأمور الرفيعة التي تهدف اليها أي شخصية وطبع إنساني، وذلك يستوجب دعم رسالة الجمعية في نشر ثقافة الذوق العام في المجتمع من خلال الرقي بمستوى التعاملات في جوانب الحياة المختلفة، فذلك ينتهي بنا الى الاحتفاظ بالقيم النبيلة التي نحرص على الاحتفاظ بها والتعبير عن ذواتنا بكامل رقيها، فنحن نحتاج بالفعل إلى التمسك بشفافيتنا وأصالتنا وإتقان أعمالنا والتكامل في خدمة بعضنا ومجتمعنا ووطننا، وتعزيز التزامنا تجاه ما نفعل ونقول.. ونواصل.
كاتبة