لولا تأييد الزعيم الإيراني علي خامنئي -الذي نحى جانبا شكوكه العميقة في الولايات المتحدة من أجل إنهاء عزلة إيران المستمرة منذ عشرات السنين- لما توصلت إيران والغرب إلى اتفاقهما النووي.
وقاد الرئيس حسن روحاني الذي انتخب عام 2013 المساعي الرامية لتطبيع العلاقات مع العالم الخارجي مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
لكن خامنئي (75 عاما) له الكلمة الأخيرة في إيران وقد منح روحاني غطاء سياسيا شديد الأهمية لمواصلة مسيرة المحادثات الطويلة الشاقة التي تتعارض مع مصالح خصومه الأقوياء على المسرح السياسي الداخلي.
وبدا أنه لم يحتضن عملية التفاوض مع القوى العالمية إلا بحذر وتدخل كثيرا ليرسم خطوطا حمراء في خطبه العامة بدا أنها تلزم المفاوضين بمواقف متشددة في بعض من أكثر القضايا تعقيدا.
وفي أواخر الشهر الماضي ومع دخول المحادثات مرحلتها النهائية، قال إن إيران لن تسمح للمفتشين بإجراء مقابلات مع العلماء النوويين وطالب برفع العقوبات بمجرد التوصل إلى اتفاق وكلها مواقف غير مقبولة للقوى الغربية.
غير أنه سمح في النهاية للمفاوضين الإيرانيين بإبرام اتفاق يسمح للمفتشين بصلاحيات واسعة للتفتيش على المنشآت النووية الإيرانية ولن ترفع العقوبات بمقتضاه قبل مرور عدة أشهر.
وقال علي فائز المحلل المتخصص في شؤون إيران بمجموعة الأزمات الدولية: "خامنئي ترك الباب مفتوحا أمام الموقف الوسط.. وكان أسلوب رسم الخطوط الحمر برمته يستهدف إشعار القوى العظمى بأن إيران ليست في موقف الضعف".
وخلال هذه العملية تبنى خامنئي فكرة "اقتصاد المقاومة" فأصر على أن إيران لا تحتاج لاتفاق ولن تقدم تنازلات مهينة للولايات المتحدة التي كثيرا ما أشار إليها بقوله "الشيطان الأكبر".
كما أبدى شكوكه في دوافع واشنطن ولمح إلى أنها لفقت ما تردد عن بعد عسكري للبرنامج النووي الإيراني افتراء على طهران.
ففي ابريل الماضي قال خامنئي "ابتكروا أسطورة الأسلحة النووية حتى يمكنهم القول إن الجمهورية الاسلامية مصدر تهديد. كلا بل إن مصدر التهديد هو أمريكا ذاتها بتدخلاتها المنفلتة المخلة بالاستقرار".
وكانت الرسالة الموجهة للمتشددين جلية مفادها أن إيران تتفاوض وعيونها مفتوحة ولن تقبل إلا صفقة في مصلحتها وأنها لن تتخلى عن هدفها في مقاومة الهيمنة الأمريكية.
وهذا يعكس السنوات التأسيسية لخامنئي قبل ثورة 1979 في ذروة التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لإيران واحتياجه لاستيعاب الفصائل المحافظة ذات النفوذ القوي في الحياة السياسية في إيران. حفظ التوازن
أصبح خامنئي زعيما أعلى عام 1989 بعد رحيل الخميني الذي قاد الثورة للاطاحة بحكم الشاه الموالي للغرب.
ورغم أن خامنئي لا يملك ما كان الخميني يملكه من سلطة ثورية وشخصية آسرة فقد تشبث بموقعه 25 عاما بالعمل بدهاء على موازنة مصالح فصائل عديدة.
فقد اتخذ من خلال السماح بإبرام اتفاق مع أعداء إيران خطوة مماثلة لموافقة الخميني عام 1988 على وقف إطلاق النار مع العراق بعد ثماني سنوات من الحرب وهو الموقف الذي شبهه الخميني حينذاك بتجرع كأس من السم.
وقد عانت إيران في ظل العقوبات الاقتصادية على مدى عشرات السنين خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة التي حدت فيها عقوبات أمريكية وأوروبية من صادرات النفط بصورة حادة.
وفي عام 2009 ملأت الشوارع أكبر مظاهرات معارضة منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 ورغم إخماد الانتفاضة بسرعة فقد هزت المؤسسة السياسية.
وبعد أربع سنوات اكتشفوا في روحاني مرشحا عمليا للرئاسة من المرجح أن يعجب الكثيرين ممن خرجوا للمشاركة في الاحتجاجات بوعوده لتحسين الاقتصاد المتعثر من خلال مشاركة دولية.
ويشير الدبلوماسيون إلى أن فوز روحاني الساحق بالاضافة إلى الغضب الشعبي على مدى سنوات من سوء الإدارة الذي تفاقم بفعل العقوبات في ظل سلف روحاني -الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد- أقنع خامنئي وغيره من المحافظين البارزين بتأييد المحادثات النووية. جذور الشك
كان قرار خامنئي دعم العملية الدبلوماسية ولو بشيء من الحذر تحولا ملحوظا لرجل احتقر الولايات المتحدة وحلفاءها الذين ظل يصفهم طوال حياته بأنهم "قوى الاستكبار".
فقد كان في سن المراهقة عندما أيدت وكالات المخابرات الغربية انقلابا على رئيس الوزراء الوطني محمد مصدق عام 1953.
وبعد عشر سنوات عندما كان خامنئي من تلاميذ الإمام الخميني وناشطا من معارضي حكم الشاه دخل السجن للمرة الأولى من عدة مرات سيتعرض فيها حسب ما ورد في سيرته الرسمية "لتعذيب شديد".
وبعد سقوط الشاه عام 1979 شغل خامنئي عدة مناصب في الحكومة الاسلامية الجديدة، وانتخب رئيسا للبلاد في عام 1981 ووعد في خطابه الافتتاحي بالقضاء على "الضلال والليبرالية واليساريين المتأسين بأمريكا".
ويصف باحثون خارج إيران خامنئي بأنه شخص كتوم يخشى الخيانة وزاد من قلقه محاولة اغتيال في يونيو عام 1981 أدت إلى إصابته بشلل في ذراعه اليمنى.
وأصبح مقربا من الجيش وخاصة الحرس الثوري الذي يمثل صفوة القوات المسلحة وهي علاقة أثمرت عندما سحق الحرس احتجاجات عام 2009.