هو يدعو للمشاركة بالجهاد لانقاذهن، وكان الآخر يصرخ على منبره وأطرافه ترتجف وهو ينادي بالجهاد، ولكن الذي ينتحب عاد بعد البرنامج إلى منزله بسيارته الفارهة وتوسد ريش النعام ونام.. وكذلك الآخر وغيرهما ممن سبقوهما إلى الكلام عن الجهاد المطلق الذي يجعلك تظن أنه لا حدود ولا معاهدات ولا قوانين تنظم العالم والدول وتمنعه وتحد منه. ولهذا اختلط الحابل بالنابل وصار للجهاد في أذهان السفهاء معان أخرى وصور أخرى وتفاصيل قبيحة لا تمت للدين بصلة وليست من الإسلام ولا الإيمان في شيء. الإسلام الذي حفظوا أركانه منذ نعومة أظفارهم كما عرفوا الايمان وأركانه في المرحلة نفسها وظلوا يرددونها ومعانيها لا تتجاوز عندهم حدود مرافق الركوع والسجود وأطراف الألسن أما القلوب والعقول فقد وجدت من يخاطبها بطريقة أخرى ظلمتهم وظلمت غيرهم بهم وصرنا نقول: بأن ايران خلف هذا الشر الداعشي المجرم، أو أمريكا وبريطانيا هما من صنعاه أو شياطين الإنس والجن ونرمي بالتهم يمنة ويسرة ونظل نعيد القول ونكرره وفي الحقيقة أن كل هذا لا يهم.. لا يهم؛ فالأهم أن نبدأ من جديد ونتعلم من جديد وبشكل مختلف ما أهملناه بالأمس، فالخطاب الذي لم يتجاوز أركان الإسلام الخمسة لم يعد مجديا فالجميع يحفظها جيدا ويطبقها باعوجاج وما ذلك العوج إلا لأن بعضاً ممن علموها اكتفوا بظاهرها فيقولون: صم.. وصل ولكنهم لم يبينوا ماذا تعني الصلاة وما الذي يترتب عليها، وما هو الصيام حين يؤدى من الروح قبل الجوارح؛ ولهذا لم يعرف من ضل ماذا تعني أركان الحياة التي لم تأخذ من اهتمام رجال المنابر وسيدات الحلق اهتماما يذكر كما أخذت المسلمات الأخرى التي تتكرر كل يوم وفي كل موعظة وفي كل خطبة وتحت أي مظلة من مظلات قوافل الوعظ والإرشاد التي تعامل الناس في ديار الإسلام وكأنهم قد نطقوا الشهادتين بالأمس!! إن الذين كانوا يصلون ويصومون ثم يفخخون أنفسهم بالأحزمة الناسفة لم يجدوا من يعلمهم أركان الحياة التي امتلأ بها كتاب الله الكريم عن صناعة الحياة وعمارة الأرض وإحياء النفوس بالحب والسلام. والذين اعتقدوا بكفر الموحد المسلم لأنهم يختلفون معه في رؤية الحياة ويصنفونه بالمرتد، يؤمنون بأن الحزام الناسف والرصاص المجنون هو الحل!! ويتكلمون عن الدعوة للإسلام وكأن الله (تعالى عما يمكرون) جعلهم دعاته الجدد!! مع أننا نرى كل يوم مسلما جديدا ترك دينه بعد قراءة واعية وآخر يسلم بعد سماعه صوت قارئ القرآن الذي دفعه للبحث والتعرف على الإسلام وآخر دان بالإسلام بعد موعظة حسنة وحكمة بالغة. كلهم كانوا يحتاجون للعقل وللهدوء وللاتزان؛ فالطريق إلى الله أسهل بكثير مما هو في عقول أولئك المجرمين وعقول من سول لهم ذلك بجهله المقنع الذي جعل السفيه يحسب أن الإصلاح يحققه الحزام الناسف الذي ينهي الحياة ولا يصنعها كما تريد منا أركان الحياة التي بثها لنا الله عز وجل في كتابه العظيم التي تبدأ بحبه لنا وتنتهي بحبنا له. على طرق متعددة تتسامى فيها الأرواح بالرحمة وهي من أقوى وأكبر علامات أركان الحياة وهي الاستفتاح (بسم الله الرحمن الرحيم) فأين نحن من هذا الأصل في أقوالنا وأعمالنا؟ أين نحن منه من الداخل وليس من الخارج كصوت أو حركة لسانية.. ولماذا نحجز بجهالتنا انعكاس تلك الرحمة بكل متطلباتها علينا وعلى من حولنا (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، من هنا فقط ستبدأ خطوات العودة إلى الصواب وللنور الإلهي الذي حجبه بعضهم عن بعضهم بالدعوة للجهاد وما هو الجهاد.