الاستعداد لما قد لا يحدث، والتعامل مع ما حدث
لا يخفى على المتابع لسير الأحداث بخاصة السياسية منها ما للأزمات بكل أنواعها من دور في تاريخ الشعوب والمجتمعات سواء على صعيد الهدم أو البناء وقراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يفضي بنا إلى تلمس خيط يقودنا إلى حقيقة مفادها ان المجتمعات التي اعتمدت على فرق خاصة في التعامل مع الأزمات كانت أصلب عودا وأكثر على المطاوعة والاستمرار من قريناتها التي انتهجت أسلوبا مغايرا تمثل بالتصدي المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفا مع بؤر الصراع والتوتر ما أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها، فالأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار. وتجمع الكثير من المصادر على أن مفهوم إدارة الأزمات يعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما اشتعلت أزمة حادة بين الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة الأمريكية حول وجود صواريخ نووية في كوبا كادت أن تشعل فتيلا للحرب العالمية الثالثة، وقد انتهت تلك الأزمة بالحوار والتهديد والترغيب والوعيد وتم عقد صفقات في الخفاء.
وحال انتهاء تلك الأزمة الخطيرة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي في حينه (ماكتمارا) أن قد انتهى عصر (الاستراتيجية)، وبدأ عصر جديد يمكن أن نطلق عليه «عصر إدارة الأزمات».
ومنذ ذلك التاريخ بدأ اتجاه جديد يتعامل مع المواقف الصعبة من خلال مجموعة من القواعد (أو المبادئ) أو التوجهات أطلق عليها أحيانا «فن إدارة الأزمات» أو «سيكولوجية إدارة الأزمات» أو «سيناريوهات إدارة الأزمات»
وقد أوردت الموسوعة الإدارية تعريفاً لإدارة الأزمات بأنها: «المحافظة على الأصول وممتلكات المنظمة، وعلى قدرتها على تحقيق الإيرادات، كذلك المحافظة على الأفراد والعاملين بها ضد المخاطر المختلفة، والعمل على تجنب المخاطر المحتملة أو تخفيف أثرها على المنظمة، في حالة عدم التمكن من تجنبها بالكامل»، وهذا ينطبق أيضا على الدولة وإداراتها. ويجد العديد من الباحثين أن إدارة الازمات هو علم وفن إدارة التوازنات والتكيف مع المتغيرات المختلفة وبحث آثارها في كافة المجالات، ويمكن القول أيضا بأنها عملية الإعداد والتقدير المنظم والمنتظم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة سمعة المنظمة وبقاءها.
ويختلف رد فعل كل شخص لهذه الأزمات تبعاً لعدة عوامل تختلف من شخص لآخر، فهناك ناس تنهار بالبكاء وهناك آخرون لهم قدرة على التحمل وهناك آخرون يتجهون لكي يشتكوا للآخرين وهناك من يتحدى الأزمات ويحاول جاهداً التغلب عليها.
وقد لخص جيري سيكيتش أهمية تخطيط إدارة الأزمات في كتابه (كافة المخاطر) حين كتب "لا تختبر أي إدارة اختبارا جيدا إلا في مواقف الأزمات". أيضًا يُـعتبر الإنسان أهم مورد في المنظمات لذا نرى أنه لا يوجد بديل لوجود أشخاص أكفاء لديهم خبرات عالية يمكنهم التصرف بسرعة وجدارة لإيجاد حلول جذرية لحل المشاكل الناتجة عن الأزمات.
من خلال ما تقدم يتضح لنا أن التدريب على التخطيط للأزمات يُـعد من المسلّمات الأساسية في المنظمات الناجحة فهو يساهم في منع حدوث الأزمة أو التخفيف من آثارها وتلافي عنصر المفاجآت المصاحب لها. أيضًا يتبين لنا أن التخطيط يتيح لفريق عمل إدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعّال لمواجهة الأزمة بكفاءة عالية الاستعداد لمواجهة المواقف الطارئة غير المخطط لها التي قد تصاحب الأزمة وفي ذلك أوضحت دراسة جبر التجربة اليابانية في هذا الشأن.
ونرى في عصرنا هذا الحاجة الماسة لفرق إدارة الازمات في مجتمعنا ومؤسساتنا ومدارسنا وحتى مراكز الاحياء ويمكن تفعيل دورهم من خلال إقامة الدورات التدريبية وورش العمل والمحاضرات النظرية وعرض تجارب الاخرين الذين سبقونا في هذا المجال أمثال أمريكا واليابان وبريطانيا وغيرهم حيث أصبحنا معرضين بين الحين والآخر الى الازمات. حفظ الله بلادنا وأدام نعمة الامن والأمان علينا انه سميع مجيب.