«إذا أردتم أن تعرفوا السبب فيما نحن فيه من الظلم والفساد فانظروا في المرآة».
وائل غنيم/ الثورة ص 162
ماذا يرى معظم الناس حين يقف أمام المرآة؟ إنه يرى وجهه ليطمئن على أن وعثاء الأمس لم تشوه ملامحه، وأن كوابيس البارحة لم تترك عليها أثرا لحوافرها.. فإذا ارتاح إلى ذلك نظر إلى ملابسه التي يطلب منها أن تضفي عليه مهابة تجعل منه «كامل الأوصاف» بين أقرانه.. هذا ما يريده معظم الناس.. فهل أنت منهم؟
أراك مترددا في الإجابة؟
إذا كنت منهم فأنت بعيد عما يعنيه وائل غنيم.. وهو من طليعة شباب ميدان التحرير الذين هدموا سجن الخوف.. فالمرآة عندك تكون مجرد شاهد على ظاهرك الذي تود أن يكون نقيا يستدر إعجاب الآخرين وأولهم «حرمك المصون»، وإذا لم تكن منهم فتعال لنفكر معا فيما عناه غنيم بمقولته تلك.
الظلم والفساد لن تراهما يركضان في الشوارع أو يجلسان في المقهى، إنك حين تريد رؤيتهما حقا فانظر إلى وجهك في المرآة هل ترى عليه بريق الحرية؟ هل ترى عليه ضوء تكافؤ الفرص؟ هل ترى حقوق الإنسان ناضجة مثل الثمار من حوله؟ واجعل من مرآتك متسعا لوجوه الآخرين ثم اسأل نفس الأسئلة.
ترى أيهما أعمق رؤية حين نظر كل منهما في مرآته الوجدانية.. الذي قال:
معللتي بالوصل والموت دونه... إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
أم الذي قال:
ولو أني حببت الخلد فردا... لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي... سحائب ليس تنتظم البلادا
على مر التاريخ الأدبي كان الناس تميل رؤوسهم طربا حين يسمعون ما قاله أبو العلاء.. أما ما قاله أبو فراس فيعتبرونه أنانية بشعة ويبتعدون عنه.
ترى من أي الفريقين أنت؟
مهلا.. قبل أن تجيب قل لي: هل يمكن للإنسان أن يحب الآخرين «قبل» أن يحب نفسه؟
لا أظن ذلك إلا أن يكون مريضا بمرض النرجسية أو الأنانية، أما حين يكون سويا فإن حبه لنفسه إنما هو إشراق داخلي فإذا تم ذلك أصبح نبعا لا بد أن يفيض على الآخرين.
الموضوع معقد ويحتاج إلى إضاءة أشد.. عسى أن يكون لدي مصباح أكثر ضوءا.