DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
national day
national day
national day

غلاف كتاب خطاب

قراءة في «خطاب الرواية النسائية السعودية وتحولاته»

غلاف كتاب خطاب
غلاف كتاب خطاب
أخبار متعلقة
 
لجأت المرأة في سبيل التعبير عن نفسها في المجتمعات الذكورية إلى الأدب كملاذ آمن، تعبر فيه عن نفسها وخلجات مشاعرها، فعبرت عنه قديمًا شعرًا غنائيًا ممزوجًا بشجن عذب عرفناه في شعر الخنساء، وليلى الأخيلية، وحديثا عبرت عنه بكل صنوف الأدب، ولا سيما من خلال القص الذي بثت عبر شخوصه وحكاياته رؤاها في الحياة ورأيها في الرجل والمجتمع. وعالم المرأة بحر عميق هادر أمواجه متقلب في مزاجه، دائم الحركة كثير الوثب، وليس كما يظن البعض ثابتا خاملاً، نستطيع أن نستشفه عند النظر بروية وعمق في كل ما تكتبه المرأة حتى في أحاديث الثرثرة النسائية الذي كثيرًا ما يستنكف عن وصفه الرجال، لكنه يحمل غايات فلسفية أزعم أنها تعيي حكماء الرجال عن سبر أغوارها ومعرفة مداها، والمرأة قد تصف -بكل براءة- ما تحكيه أن منجزها الأدبي مجرد ثرثرة، ولا شك أن هذا يمثل نوعًا من حالة التمرد والعصيان والرغبة الجامحة في النطق والبيان... ويكشف لنا هذا ما قدمه الباحث والناقد الدكتور سامي الجمعان، الأستاذ المساعد ورئيس قسم الاتصال والإعلام بكلية الآداب جامعة الملك فيصل، عبر قراءة نقدية لخطاب الرواية النسائية السعودية وتحولاته، والذي قدمه كتابا ماتعًا شيقا، فقد عالج الكتاب الموضوع بعمق، وراعى الأصول البحثية، والقواعد النقدية أيضًا، واستطاع تتبع الكتابة النسائية بتطوراتها المختلفة من خلال نقاط محددة وسمات خاصة. الكتاب الذي قام بنشره وطباعته النادي الأدبي بالرياض، حلل فيه الباحث، خطاب المرأة السعودية، من خلال الأعمال الروائية لعدد من الكاتبات السعوديات، بأسس موضوعية ومنهج بحثي رصين، حتى لا يتأثر بنظرته الخاصة "كرجل" في الحكم على الخطاب النسوي، وقد جمع ما كتبه في سفر كبير في نحو ستمائة وخمس وسبعين صفحة، قسمه إلى مقدمة وتمهيد، وبابين، اشتمل الأول منهما على فصلين، والثاني على ثلاثة فصول، حيث تناول في الباب الأول: الخطاب الروائي في المرحلتين الأولى والثانية، وقد اشتمل على مدخل وفصلين، يلقي المدخل الضوء على ظروف الفترة الزمنية المحددة للمرحلتين الأولى والثانية، وتناول في الباب الثاني: الخطاب الروائي في المرحلة الثالثة، ويعني بالمرحلة الأولى: خطاب البدايات والتي كانت موضوع الفصل الأول، والمرحلة الثانية: خطاب البحث والتجاوز والتي خصها بفصله الثاني، أما المرحلة الثالثة: فقد عنى بها بمرحلة الخطاب الراهن. والتي تناولها من خلال ثلاثة فصول، يفسر الأول منها سمات المرحلة الروائية الراهنة، أما الثاني فيتناول الحيل السردية للخطاب الراهن، وحاول الكاتب في الفصل الثالث حصر توجهات خطاب المرحلة الراهنة. وفي ضوء ما أسفرت عنه الدراسة فقد توصل الكاتب لعدد من النتائج والتوصيات الهامة جعلها خاتمة لبحثه الشيق. ويرى المؤلف أن الخطاب الروائي النسائي اتسم بعدة سمات خاصة به، السمة الأولى: تمثل أصداء القصص التراثي وأخذ منها النموذج الشفهي، أما السمة الثانية: فهي الأصداء الرومانسية، حيث يؤكد أن تجلياتها ظهرت في عناوين الروايات، تلك العناوين المستقاة من المعجم الرومانسي، فحالة البكاء بما يصاحبها من دموع جارفة تمثلتها عناوين: (ذكريات دامعة)، و(قطرات من الدموع)، و(بسمة من بحيرات الدموع)، وتبلورت كآبة الحياة ومسحتها الحزينة في عناوين: ودعت آمالي، ووراء الضباب، صحوة الأم، البراءة المفقودة. ويؤكد الباحث على أن وجود قصص الحب -وبهذا الكم- في خطاب البدايات مسألة تتنزل في سياقها الطبيعي وتحل في نصها اللائق بها.. فالحب أشبه ما يكون بالحيلة التي يتم استثمارها كمدخل لعرض قضايا المرأة السعودية، لنكتشف أن التعليم والزواج والطلاق وثقافة المرأة طرق من باب الحب. سمة أصيلة أما السمة الثالثة التي يرى الكاتب أنها سمة أصيلة من سمات الأدب النسوي في بداياته هي قصور الوعي بفنية الرواية، وحتى لا يتسرع القارئ في الحكم من خلال هذا العنوان الذي يحمل ظاهريّا إدانة بالقصور، نجد الكاتب يبرر هذا القصور ويرى أنه ملمح طبيعي وأمر لا مناص منه في شتى البدايات، حيث يقتبس مقولة شهيرة للكاتبة (فرجينيا وولف): «حيث أقرت بأن النساء مقيدات إزاء الكتابة؛ بسبب الظروف التي تحرمهن من التعليم ومن الوصول إلى البشر». وقد اتسم الخطاب الروائي بعدة سمات في المرحلة الثانية (البحث والتجاوز) أهمها: توطين الخطاب الروائي النسوي، حيث يرى الدكتور سامي الجمعان أن إصرار الروائية السعودية في هذه الحقبة إطلاق خطابها الروائي من داخل مجتمعها سواء بالنشر داخليّا أو بالتعبير عن قضايا المجتمع فهو أقرب ما يكون إلى توطين خطابها بعد أن ظل مغتربًا على امتداد اثنتين وعشرين سنة، هي عمر مرحلة البدايات، أنتج خلالها ما نسبته 80% من منتجها خارج حدود الوطن، وإن كنا نرى أن الأدب النسائي وإن كان فيه ملمح الاغتراب إلا أنه لم يكن مغتربًا كلية عن بيئته ومجتمعه فقد كان التراث العربي رافدًا مهمًا ساهم في تشكيل الوعي الفكري والأدبي لدى الروائية السعودية. أما السمة الثانية: والتي تمثل الجرأة النسائية في الانتقال من المذهب الرومانسي إلى المذهب الواقعي المنسوب بعمومه إلى الواقع أي الحاصل أو الحادث أو المتوقع حصوله، ولا شك أن أول ما يمكن التقاطه من واقعيتها تركيزها الشديد على واقع المرأة وقضاياها الأنثوية. ولم يتوقف تطور الخطاب النسوي عند هذه السمة فحسب، بل يؤكد الكاتب على أن التحول في مفهومه العام ملازم للتنمية؛ لأنه تطبيق لقانون طبيعي يتغير بموجبه كل شيء ينمو؛ لذا فقد كانت السمة الثالثة هي: قلق البحث ورغبة التجاوز، والقلق الذي يعنيه الكاتب هنا هو القلق الخلاق، والذي يقابله قلق من نوع آخر كرسته مراحل أخرى، ويعني به القلق السلبي الذي أحال خطاب الكاتبة السعودية ارتدادًا عما جد في البحث عنه ولا سيما في شأن تحرير المرأة. خمس سمات ويؤكد الكاتب أن الخطاب الروائي النسائي الراهن قد اتسم بخمس سمات نلمحها جلية في روايات الكاتبات السعوديات، السمة الأولى: الإلحاح على سؤال الكتابة، حيث صارت الكتابة شكلا من أشكال البوح الطويل مع اختلاف نبراته من حيث القوة والجرأة والمقاصد، ويأتي في إطار هذا البوح إعلان الرغبة الأنثوية الجامحة المطالية بحق الكتابة، بل يؤكد المؤلف أنه في عتبة إهدائها تصدمنا إحدى الروايات بمفهوم جريء لفعل الكتابة يتجاوز الرؤى التقليدية ويقفز عليها بجعلها الكتابة معادلا للحياة واستمرارا وجوديّا لذاتها. أما السمة الثانية فهي: تنامي الوعي بعناصر الرواية وفاعليتها في تشكيل خطاب الرواية حيث حدث تطور ملحوظ في كيفية توظيف بعض الجوانب الفنية في الرواية بل والخروج على شروط التبعية، مما يعني محاولة البحث عن لغة خاصة بجنسها، حيث هيمنت عليها الرغبة الجامحة لركوب موجة اللغة المحتقنة بتجسيد طبيعتها الأنثوية، واستعراض هواجسها وقضاياها ومكنوناتها. والسمة الثالثة: نزوع الخطاب إلى توسيع نطاق مشاركته، المقصود به محاولة الكاتبات السعوديات المشاركة في توصيف وتحليل الأحداث الكبرى من حولها سواء عالميًا أو إقليميًا بعيدًا عن الانزواء في الجزء الخاص بقضايا المرأة، ويرى الكاتب أنه يحسب للمجتمع دوره البارز في جذب خطاب الكاتبة السعودية إلى هذه المساحة المفتوحة، وقد دلل المؤلف على صحة مدعاه بالكثير من النماذج النسائية، وإن كان البحث ينقصه عملية التقييم لهذه التجرية، ومدى قدرتها مقارنة بما حققته الرواية الرجالية على هذا الصعيد، والسمة الرابعة التي طرحها الكاتب للمرحلة الراهنة: التكنولوجيا والخطاب الروائي، حيث يؤكد المؤلف على أن المجتمع السعودي واحد من المجتمعات المواكبة للثورة المعلوماتية والتقينة الحديثة، ولقد بلغ اهتمام الخطاب الروائي النسائي الراهن منه بهذه التقنيات مبلغا كبيرا، وإن كان الكاتب يعترف أن بحثه لم يعن بالرواية الرقمية التي تنتج وفق تقانات الحاسوب، وإنما عني بإفادة الخطاب الروائي من طاقات التقدم التكنولوجي الحديث على اختلاف مجالاته، مما يدعونا أن نطالب المؤلف أو الباحثين بتغطية هذا الجانب المهم ليس في الرواية النسائية فحسب بل اللغة الأدبية بوجه عام شعرا ونثرا. أما السمة الخامسة والأخيرة للرواية النسائية في المرحلة الراهنة فهي: جماهيرية الخطاب الروائي، حيث يرى المؤلف أن الخطاب الروائي تحول من النخبوية إلى الجماهيرية في مرحلته الراهنة، وإن كان الشكل القصصي تأثر كغيره من الأشكال بمحدودية القراءة بتأثير عوامل كثيرة أهمها: الثورة المعلوماتية وظهور ثقافة "التيك أوي" لدى القارئ العربي. وقد أفرد المؤلف حديثا طويلا لمفهوم الحيل ودورها في تشكيل الخطاب وتبليغ مقاصده حيث خصه بمبحثين أحدهما في الباب الأول، أما الآخر ففي الباب الثاني خصه بمبحث طويل تحت عنوان "حيل الخطاب الروائي الراهن السردية"، ويرى المؤلف أن أهم الحيل في الرواية النسائية تتجلى في حيلة الكتابة الروائية، وحيلة الجسد الأنثوي، والمحلية، وحيلة الأسماء المرجعية. توجهات الخطاب وقد ناقش المؤلف في الفصل الثاني توجهات الخطاب الروائي الراهن، حيث رأى أنه ينحو إلى خمس توجهات أساسية هي: خطاب المنظومة المفاهيمية الخاصة، والخطاب المضاد، والمتمرد، والمناوئ، والمحايد. ولا شك أن هذا الكتاب القيم الذي يلقي الضوء من منظور ذكوري نقدي للعمل الروائي النسائي، يمثل حلقة من حلقات السعي إلى كشف أغوار هذا المحيط الرحب بأفكاره وآرائه، وهذا الخضم المتلاطم بمياهه وأمواجه، وهذا العالم المتسع الآراء الذي رغم كثرة المحاولات لم يكتشف منه إلا النزر اليسير أنه عالم المرأة، بأفكاره وأحلامه وتطلعاته، بثوابته وتحولاته ...إنه جولة في "خطاب الرواية النسائية السعودية وتحولاته"  أستاذ مساعد بقسم الاتصال والإعلام كلية الآداب ـ جامعة الملك فيصل